الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فالعشير: هو المعاشر ـ أي المخالط ـ والمراد به في هذا الحديث الزوج، وكفران نعمته جحدها وإنكارها وعدم شكرها، وإنما اختصت النساء بكونهن أكثر أهل النار وبالذم على كفران العشير، لأن وقوع ذلك منهن أكثر، قال المناوي: فرأيت أكثر أهلها النساء ـ لأن كفران العشير والعطاء وترك الصبر عند البلاء فيهن أكثر. انتهى.
وما ذكره معروف بالحس لا يسع إنكاره.
وأما الصالحات من النساء ممن قدمن أمر الله وشرعه وكبحن جماح النفس الأمارة: فلسن من هذا الذم بسبيل. وليس هذا الوعيد مختصاً بالنساء، بل هو عام في جحد النعمة وكفران العشير، فقد بين العلماء أن هذا الحديث يستفاد منه ما هو أعم من شكر نعمة الزوج وعدم جحد معروفه، بل يشمل حفظ النعم والشكر لمن أسدوها، قال العيني ـ رحمه الله ـ في بيان فوائد هذا الحديث: منها: تحريم كفران الحقوق والنعم، إذ لا يدخل النار إلا بارتكاب حرام.
وقال النووي: توعده على كفران العشير وكفران الإحسان بالنار يدل على أنهما من الكبائر.
وقال ابن بطال: فيه دليل على أن العبد يعذب على جحد الإحسان والفضل وشكر النعم، قال وقد قيل إن شكر المنعم واجب. انتهى.
وبه يتبين لك أن الذي يجحد النعمة وينكرها من غير سبب متعرض للوعيد، وفي الترمذي من حديث أبي سعيد ـ رضي الله عنه: من لم يشكر الناس لم يشكر الله.
فإذا عرفت معنى الحديث وكلام أهل العلم فيه، فليعلم أن المرأة مأمورة أمراً متأكداً برعاية حق زوجها والاعتراف بفضله وأن لا يحملها الغضب لشيء ما رأته أو لتصرف عارض على جحد نعمته وإنكار فضله وأن تقول هذه الكلمة المذمومة ـ ما رأيت منك خيراً قط ـ وفي الحديث: لا ينظر الله إلى امرأة لا تشكر لزوجها وهي لا تستغني عنه. أخرجه الحاكم، وقال صحيح الإسناد، ورواه الطبراني والبزار بإسنادين، قال الهيثمي: رجال أحدهما رجال الصحيح.
فإذا استفز المرأة الغضب وخالفت هذا الهدي الجليل وعدلت عن سواء السبيل فكفرت نعمة زوجها فلتبادر إلى التوبة النصوح ولتندم على ما اقترفت، والله يقبل التوبة عن عباده، فإن تابت توبة صادقة عفا الله عنها، فإن التائب من الذنب كمن لا ذنب له، وأما إن أصرت على المعصية ولم تتب منها فهي متعرضة لهذا الوعيد الذي توعد به الله تعالى كافرات العشير كما أخبر بذلك النبي صلى الله عليه وسلم، وأما شرح تمام الحديث واستنباط فوائده فأمر يطول جداً، ويمكن مراجعة أحد شروح كتب السنة ـ كشرح النووي على مسلم ـ لمعرفة فوائد هذا الحديث الجليل.
والله أعلم.