الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فالأمر أهون مما ذهبت إليه السائلة، فكما أنها تعتقد أن الزوجة من نساء الدنيا لن تتضرر من الحوريات، لأنها ستكون أفضل منهن، فلتعتقد كذلك أن كل زوجة من نساء الدنيا سترى أنها أفضل من غيرها عند زوجها، وبذلك يكون حكم من عداها من الزوجات هو حكم الحورية، ومما يقرب هذا ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: إن أهل الجنة إذا دخلوها نزلوا فيها بفضل أعمالهم، ثم يؤذن في مقدار يوم الجمعة من أيام الدنيا فيزورون ربهم، ويبرز لهم عرشه، ويتبدى لهم في روضة من رياض الجنة، فتوضع لهم منابر من نور، ومنابر من لؤلؤ، ومنابر من ياقوت، ومنابر من زبرجد، ومنابر من ذهب، ومنابر من فضة، ويجلس أدناهم ـ وما فيهم من دني ـ على كثبان المسك والكافور، وما يرون أن أصحاب الكراسي بأفضل منهم مجلسا. رواه الترمذي وابن ماجه، وصححه ابن حبان.
فلا يبعد أن ترى كل زوجة من نساء الدنيا أنها الأفضل والأحظى عند زوجها في الجنة، كما أن أصحاب الكراسي لا يرون أن أصحاب المنابر في سوق الجنة أفضل منهم مجلسا.
ثم ننبه على أن هذا الأمر لا محيد عنه، لأننا نقطع أن من الرجال من يتزوج في الدنيا بأكثر من امرأة، وهو وجميع نسائه من أهل الجنة، فكيف سيكون حال هؤلاء النسوة في الجنة؟ ويكفي أن نتذكر حال أمهات المؤمنين ـ رضي الله عنهن جميعا ـ وهن من زوجات النبي صلى الله عليه وسلم في الجنة، وجواب ذلك هو ما تقدم من أنه لا يبعد أن ترى كل واحدة أنها الأحظى عند زوجها، لأن الجنة ليس فيها كدر، كما يفهم من قوله تعالى: ادْخُلُوا الْجَنَّةَ أَنْتُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ تحبرون* يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِصِحَافٍ مِنْ ذَهَبٍ وَأَكْوَابٍ وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ وَأَنْتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ. { الزخرف: 71ـ70 }.
على أننا قد قدمنا أن طبيعة المرأة في الجنة غير طبيعتها في الدنيا، فالزوجات فيها خيرات حسان، لا اختلاف ولا تباغض بينهن، قلوبهن على قلب واحد.
وراجعي في ذلك الفتوى رقم: 12994، ولمزيد الفائدة يمكن الاطلاع على الفتوى رقم: 10579.
وأما قول النبي صلى الله عليه وسلم: ولكل واحد منهم زوجتان يرى مخ سوقهما من وراء اللحم من الحسن. متفق عليه.
فإنه وإن كان بعض أهل العلم نص على أن هاتين الزوجتين من نساء الدنيا، إلا أن الصواب أنهما من الحور العين، وهذا نص رواية عند البخاري، ولفظها: لكل امرئ زوجتان من الحور العين.
وهذا ما استظهره ابن القيم في حادي الأرواح، واستدل بهذه الرواية وعزاه للإمام أحمد.
وقد نقل القاري في مرقاة المفاتيح، والمباركفوري في تحفة الأحوذي: عن الطيبي قوله: الظاهر أن التثنية للتكرير لا للتحديد، كقوله تعالى: ثم ارجع البصر كرتين ـ لأنه قد جاء أن للواحد من أهل الجنة العدد الكثير من الحور العين. هـ.
والله أعلم.