الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فلتهنك توبتك إلى الله، ونسأل الله تعالى أن يتم علينا وعليك نعمة الهداية والتوفيق لما يحب ويرضى.
وأما بخصوص ما سألت عنه: فأعدل الأقوال في توبة حائز المال الحرام هو قول شيخ الإسلام ابن تيمية، حيث قال ـ كما في الفتاوى الكبرى: من كسب مالاً حرامًا برضاء الدافع ثم تاب ـ كثمن خمر ومهر البغي وحلوان الكاهن ـ فالذي يتلخص: أن القابض إذا لم يعلم التحريم ثم علم جاز له أكله، وإن علم التحريم ـ أولاً ـ ثم تاب: فإنه يتصدق به، كما نص عليه أحمد في حامل الخمر. وللفقير أكله، ولولي الأمر أن يعطيه أعوانه. وإن كان فقيرًا أخذ هو كفايته له. هـ.
وقال في مجموع الفتاوى: إن كانت العين أو المنفعة محرمة ـ كمهر البغي وثمن الخمر ـ فهنا لا يقضى له به قبل القبض، ولو أعطاه إياه لم يحكم برده، فإن هذا معونة لهم على المعاصي، إذا جمع لهم بين العوض والمعوض، ولا يحل هذا المال للبغي والخمار ونحوهما، لكن يصرف في مصالح المسلمين، فإن تابت هذه البغي وهذا الخمار وكانوا فقراء، جاز أن يصرف إليهم من هذا المال مقدار حاجتهم، فإن كان يقدر يتجر أو يعمل صنعة كالنسج والغزل، أعطي ما يكون له رأس مال، وإن اقترضوا منه شيئا ليكتسبوا به ولم يردوا عوض القرض كان أحسن. هـ.
وعلى ذلك، فالسائل الكريم إن كان جاهلا بحرمة العمل في هذا البنك فلما علم تركه، لم يحكم بحرمة ما اكتسبه من المال خلال عمله مع جهل الحكم.
وأما إن كان يعلم الحرمة حال عمله في البنك، فلا يحل له ما اكتسبه من هذا العمل، وفي هذه الحال يُنظر، فإن كان له مال أو صنعة تكفيه، وجب عليه إنفاق هذا المال كله في مصالح المسلمين ونحوها، وإن لم يكن له مال وليس قادرا على الكسب أعطي منه حاجته، وإن كان قادرا على الكسب أعطي منه ما يصلح أن يكون رأس مال يتجر فيه.
وينبغي للسائل أن يتأمل ذلك ليعرف من أي الأصناف هو، وبالتالي يعرف حكم هذا المال وأرباحه بالنسبة له.
وعلى وجه العموم، فقد اختلف أهل العلم في الربح الناشئ من استثمار مثل هذا المال الحرام، هل هو تابع للمال نفسه؟ أم للعامل؟ وأعدل الأقوال هو المناصفة، فيكون للعامل نصف هذه الأرباح، وراجع ذلك في الفتاوى التالية أرقامها: 127018، 57000، 18275، 114893.
والله أعلم.