الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فنسأل الله تعالى أن يعافيك من الوسواس ومن الكذب جميعا، فأما الأول: فإنه مرض شديد وداء عضال والاسترسال معه يوقع المرء في الحيرة والشك المرضي، والضيق والحرج الشرعي، فعليك أن تطرح عن نفسك هذه الأفكار ولا تجعل للشيطان عليك سبيلا، فإنه كما يجب على العبد أن يخاف من الوقوع في الكفر وأن يبتعد عنه أشد البعد، فكذلك ينبغي أن لا يكون موسوسا، كلما حصل منه شيء اتهم نفسه بالكفر، وراجع في ذلك الفتاوى: 125258، 194419، 78602، 126529.
وأما الكذب: فهو حرام وقبيح، وهو الذي جرك إلى هذا البلاء، فتب إلى الله تعالى ولا تعد.
وأما بخصوص فتوى الشيخ ابن عثيمين: فهو ـ رحمه الله ـ نقل الخلاف في حكم قائل هذه العبارة وهو كاذب ولكنه لم يرجح الكفر، بل قال: فإن ذلك خطير جدا وهو حرام بلا شك.
وهذا هو الصواب، فالأمر خطير والخطب شديد، وهو أغلظ من عموم الكذب، ولكنه لا يصل إلى الكفر، وهذا هو الراجح عند الحنفية ـ أيضا ـ قال السمرقندي في تحفة الفقهاء: اختلف المشايخ فيه، والصحيح أنه لا يكفر. هـ.
وقال الشيخ عبد الله بن محمد آل الشيخ ـ كما في الأجوبة النجدية: إنما الإثم والحرج على من قال: يعلم الله كذا وكذا، وهو كاذب، فهو كذب وافتراء، ولا يبلغ إلى الكفر. هـ.
ثم ينبغي عند الحكم بالكفر على قائل ذلك كاذبا، أن يقيد بعلم القائل بلازم قوله من نسبة الجهل لله تعالى، أو أن يعلم أن هذا القول كفر ثم يتعمد قوله، كما في حاشية قليوبي: لو قال: يعلم الله أو يشهد الله، فإن كان صادقا فلا بأس, وإن كان كاذبا فحرام، بل إن قصد أن الله يعلم ذلك, وهو كاذب فيه كفر، كما قاله النووي وتبعه شيخنا. هـ.
وفي الفقه الإسلامي وأدلته: قيل: إنه يكفر إذا علم أن قوله هذا مكفر، لأنه بالإقدام عليه صار مختاراً للكفر واختيار الكفر كفر. هـ.
وفي الأجوبة النجدية: إن كان كاذباً في قوله: الله يعلم ما فعلت كذا، وهو قد فعله، والله يعلم ما صار كذا، وهو قد صار، فهذا حرام، ولو عرف القائل معنى قوله لكان كفراً، لأن مقتضى كلامه: أن الله لا يعلم أن الأمر على ما هو عليه، فيكون وصفاً لله بالجهل، تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً. هـ.
وأما الموقف الذي ذكره السائل: فإنه لا يدخل في هذا أصلا، وإنما ذلك من أثر التعمق والتكلف الذي يصيب الموسوس، ولذلك نشدد على السائل الكريم أن يعرض عن هذه الوساوس، ويواصل مجاهدة نفسه للتخلص منها، ويمكن الاطلاع على الفتوى: 136381، لمعرفة ما يعين على علاج الوسوسة والتخلص منها.
والله أعلم.