الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فقد كان الأحوط في حقك أن تغتسل مرة أخرى بعد انقطاع خروج المني، وذلك لأن هذه المسألة محل خلاف بين أهل العلم، فذهب كثير منهم إلى أن من خرج منه المني بشهوة، ثم اغتسل، ثم خرج منه شيء من المني بعد غسله بغير شهوة فإنه لا يلزمه إعادة الغسل، وإنما يتوضأ فقط لأنه بقية المني الذي اغتسل منه، وخروج المني لا يوجب غسلين، وهذا مذهب الحنابلة ونسبه النووي إلى مالك، ومذهب الشافعية أن الاغتسال يلزم في هذه الصورة قياسا على غيره من الأحداث، فإنه لو توضأ مثلا من خروج البول ثم خرج منه شيء من البول بعد وضوئه لزمه إعادة الوضوء إجماعا، وللحنفية تفصيل في المسألة يأتي في كلام النووي رحمه الله، وعلى كل فالأحوط بلا شك هو إعادة الغسل في تلك الحال، وإن كان الوجه الذي اعتمد عليه من لم يوجب إعادة الغسل لا يخلو من قوة.
جاء في الروض مع حاشيته: فإن خرج المني بعد غسله لم يعده؛ لأنه مني واحد فلا يوجب غسلين؛ لأن الخارج بعد الغسل هو ذلك المني المنتقل، فهو كبقية مني خرج بعد الغسل، والمراد بلا شهوة، فإن خرج بشهوة لزمه الغسل، وكذا إن خرج مني بعد غسله من جماع لم ينزل فيه بغير شهوة، أو خرجت بقية مني اغتسل له بغير شهوة لم يجب الغسل، لقول ابن عباس في الجنب يخرج منه الشيء بعد الغسل؟ قال: يتوضأ، ونحوه عن علي، ولأنه مني واحد فأوجب غسلا واحدا، وإن انتقل ولم يغتسل ثم خرج بعد فإنه يغتسل بلا نزاع. انتهى.
وفصل النووي مذاهب العلماء في هذه المسألة فقال في شرح المهذب: إذا أمنى واغتسل ثم خرج منه مني على القرب بعد غسله لزمه الغسل ثانيا سواء كان ذلك قبل أن يبول بعد المني أو بعد بوله هذا مذهبنا نص عليه الشافعي واتفق عليه الأصحاب وبه قال الليث وأحمد في رواية عنه. وقال مالك وسفيان الثوري وأبو يوسف وإسحاق بن راهويه: لا غسل مطلقا وهي أشهر الروايات عن أحمد وحكاه ابن المنذر عن علي بن أبي طالب وابن عباس وعطاء والزهري وغيرهم رضي الله عنهم، وقال أبو حنيفة: إن كان ما بال قبل الغسل ثم خرج المني فلا غسل عليه لأنه بقية المني الذي اغتسل عنه وإلا فيجب الغسل ثانيا وهو رواية ثالثة عن أحمد. وعن أبي حنيفة عكس هذا إن كان بال لم يغتسل لأنه مني عن غير شهوة وإلا وجب الغسل لأنه عن شهوة، دليلنا على الجميع قوله صلى الله عليه وسلم (الماء من الماء) ولم يفرق ولأنه نوع حدث فنقض مطلقا كالبول والجماع وسائر الأحداث. انتهى.
والله أعلم.