الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فتخلف المسلمين اليوم في العلوم التجريبية وفي جوانب من الحياة المادية حقيقة لا تنكر، ولكن ذلك من أظهر الأدلة وأكبر الشواهد على عظمة الإسلام وكونه الحق المحض.
وبيان ذلك أن المسلمين الأوائل لما اعتنقوا هذا الدين وتمسكوا به أصبحوا قادة العالم وسادته بعد أن كانوا في جاهلية مظلمة بكل ما تعنيه الكلمة من معان. ثم لما تنكر المسلمون لدينهم وأعرضوا عن كثير من أحكامه وشرائعه صاروا أذل أمم الأرض. وهذا هو شأن الحق دائما: أن يعلو أهله إن تمسكوا به، ويذلوا إن أعرضوا عنه، كما قال الله تعالى:وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ. {النور: 55}. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: جعل الذل والصغار على من خالف أمري. رواه أحمد، وحسنه الألباني. وقال أيضا صلى الله عليه وسلم: إذا تبايعتم بالعينة، وأخذتم أذناب البقر، ورضيتم بالزرع، وتركتم الجهاد، سلط الله عليكم ذلا لا ينزعه حتى ترجعوا إلى دينكم. وفي رواية: ليلزمنكم الله مذلة في رقابكم لا تنفك عنكم حتى تتوبوا إلى الله وترجعوا على ما كنتم عليه. رواه أبو داود وأحمد، وصححه الألباني. وعن تميم الداري قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ليبلغن هذا الأمر ما بلغ الليل والنهار، ولا يترك الله بيت مدر ولا وبر إلا أدخله الله هذا الدين، بعز عزيز أو بذل ذليل، عزا يعز الله به الإسلام، وذلا يذل الله به الكفر. فكان تميم الداري يقول: قد عرفت ذلك في أهل بيتي، لقد أصاب من أسلم منهم الخير والشرف والعز، ولقد أصاب من كان منهم كافرا الذل والصغار والجزية. رواه أحمد، وقال الهيثمي: ورجال أحمد رجال الصحيح. انتهى. وراجع تفصيل ذلك في الفتوى: 134965.
فلا بد إذن من التفريق بين حال المسلمين عند ما يحكمهم دينهم وتقودهم شريعة الله، وبين حالهم عندما تحكمهم أهواؤهم وتقودهم شهواتهم. وهذا جلي ظاهر بفضل الله، ويكفي لإثباته مساءلة التاريخ واستنطاق الواقع واستقراء الأحداث. وقد سبق شيء من هذا في الفتوى: 64123. ولكمال الموضوع نرجو الاطلاع على الفتويين التاليتين: 118176، 105463 للأهمية.
وأما مسألة الإيمان بعذاب القبر وسائر أمور الآخرة فهذا من أدعى الأسباب لاستقامة معايش الناس وصلاح أحوالهم، فطغيان الناس وظلمهم وتعديهم وبغيهم إنما هو بسبب غياب هذا الإيمان أو ضعفه، واستحباب الدنيا وإيثارها على الآخرة. وهذا أمر واقع مشاهد معلوم لا يحتاج إلى برهان ولا تدليل. ولمزيد الفائدة يمكن الاطلاع على الفتويين التاليتين: 28326 ، 58302.
والله أعلم.