الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فنسأل الله تعالى أن يعافيك ويشرح صدرك، وأن يقيك شر نفسك، وشر الشيطان وشركه. فنحن نعذرك تماما في قولك (لا تقل لي أنت لست كافراً)!! وإن كنتَ بالفعل لست كذلك، فإن هذا عَرَض معروف لمريض الوسوسة القهرية، حيث يتميز صاحبه بأنه لا يستطيع التوقف عن الأفكار السخيفة التي تعرض له، رغم إيمانه بأنها خاطئة ومحاولته المستمرة في التوقف عنها، وهذا لا شك معفو عنه بل هو مأجور على مجاهدته لهذه الوساوس، وراجع للأهمية في ذلك الفتاوى ذات الأرقام التالية: 60628، 3086، 134765.
فارفق بنفسك أخانا الكريم، ولا تحملها فوق طاقتها واستمع لهذه النصيحة الذهبية، فقد سئل ابن حجر الهيتمي عن داء الوسوسة، هل له دواء؟ فأجاب بقوله: له دواء نافع، وهو الإعراض عنها جملة كافية، وإن كان في النفس من التردد ما كان؛ فإنه متى لم يلتفت لذلك لم يثبت بل يذهب بعد زمن قليل كما جرب ذلك الموفقون، وأما من أصغى إليها وعمل بقضيتها فإنها لا تزال تزداد به حتى تخرجه إلى حيز المجانين، بل وأقبح منهم كما شاهدناه في كثيرين ممن ابتلوا بها وأصغوا إليها وإلى شيطانها... فتأمل هذا الدواء النافع الذي علمه من لا ينطق عن الهوى لأمته، واعلم أن من حرمه فقد حرم الخير كله؛ لأن الوسوسة من الشيطان اتفاقا، واللعين لا غاية لمراده إلا إيقاع المؤمن في وهدة الضلال والحيرة ونكد العيش وظلمة النفس وضجرها إلى أن يخرجه من الإسلام وهو لا يشعر (إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا)... وذكر العز بن عبد السلام وغيره نحو ما قدمته فقالوا: دواء الوسوسة أن يعتقد أن ذلك خاطر شيطاني وأن إبليس هو الذي أورده عليه وأنه يقاتله فيكون له ثواب المجاهد لأنه يحارب عدو الله، فإذا استشعر ذلك فر عنه. انتهى.
فاتق الله في نفسك، وجاهدها بقطع هذه الأفكار، ولا تجعل للشيطان عليك سبيلا، فإن الوسوسة مرض شديد وداء عضال، والاسترسال معها يوقع المرء في الحيرة والشك المرضي، والضيق والحرج الشرعي، وراجع الفتوي رقم:58741، والفتوى رقم: 70476.
وأما مسألة النطق بالشهادتين فإن فعله السائل لاعتقاد أنه كفر، فلن يزيده ذلك إلا وسوسة، ولذلك لم يأمر النبي صلى الله عليه وسلم من يقع في الوساوس الاعتقادية أن ينطق بهما، ففي الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: يأتي الشيطان أحدكم فيقول من خلق كذا؟ من خلق كذا. حتى يقول من خلق ربك؟ فإذا بلغه فليستعذ بالله ولينته. وراجع الفتوى رقم: 128538.
وأما إن نطق بهما السائل باعتبارهما نوعاً من ذكر الله الذي تطمئن به القلوب، فلا بأس بذلك بل هو نوع من العلاج، وعلامة ذلك أن لا يبدأ بهما ولا يقتصر عليهما، بل يجعلهما من جملة ما يشتغل به من أنواع الأذكار، قال النووي في الأذكار: أنفع علاج في دفع الوسوسة الإقبال على ذكر الله تعالى والإكثار منه. وقال السيد الجليل أحمد بن أبي الحواري: شكوت إلى أبي سليمان الداراني الوسواس، فقال: إذا أردت أن ينقطع عنك، فأي وقت أحسست به فافرح، فإنك إذا فرحت به انقطع عنك؛ لأنه ليس شيء أبغض إلى الشيطان من سرور المؤمن، وإن اغتممت به زادك. قلت: وهذا مما يؤيد ما قاله بعض الأئمة: إن الوسواس إنما يبتلى به من كمل إيمانه، فإن اللص لا يقصد بيتا خربا. انتهى.
والله أعلم.