الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
جاء في الموسوعة الفقهية: قد اختلف الفقهاء في أيّ الدّينين يؤدّى أوّلاً إذا ضاقت التّركة عنهما, فذهب الحنفيّة إلى أنّ ديون اللّه تعالى تسقط بالموت إلاّ إذا أوصى بها كما سيأتي, وذهب المالكيّة إلى أنّ حقّ العبد يقدّم على حقّ اللّه تعالى، لأنّ حقوق اللّه تعالى مبنيّة على المسامحة، وحقوق العباد مبنيّة على المشاحّة، أو لاستغناء اللّه وحاجة النّاس, وذهب الشّافعيّة إلى تقديم حقوق اللّه تعالى أو ديونه على حقوق الآدميّ إذا ضاقت التّركة عنهما، واستدلّوا بقوله صلى الله عليه وسلم : « دين اللّه أحقّ أن يقضى » وقوله : « اقضوا اللّه ، فاللّه أحقّ بالوفاء » . اهـ.
وتجدر الإشارة إلى أن ما نسب للمالكية لا يدخل فيه الحج لأنه لا يحج عن الميت عندهم ما لم يوص به.
وقال ابن عثيمين في شرح الزاد: ... ومنهم من قال: يشتركان؛ لأن كلًّا منهما دين في ذمة الميت فلا يفضل أحدهما على الآخر، وهذا هو المذهب عند الأصحاب ـ رحمهم الله ـ وهو الصحيح. اهـ.
وإذا لم يترك الميت من الورثة إلا زوجته وبناته وأبناءه فإن للزوجة الثمن فرضا لوجود الفرع الوارث, قال الله تعالى: ... فَإِنْ كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُمْ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ ... {النساء: 12}.
والباقي للأبناء والبنات تعصيبا للذكر مثل حظ الأنثيين لقول الله تعالى: يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ ... {النساء: 11}. فتقسم التركة على اثنين وسبعين سهما, للزوجة ثمنها, تسعة أسهم, ولكل بنت سبعة أسهم, ولكل ابن أربعة عشر سهما.
ثم إننا ننبه السائل إلى أن أمر التركات أمر خطير جدا وشائك للغاية، وبالتالي، فلا يمكن الاكتفاء فيه ولا الاعتماد على مجرد فتوى أعدها صاحبها طبقا لسؤال ورد عليه، بل لا بد من أن ترفع للمحاكم الشرعية كي تنظر فيها وتحقق، فقد يكون هناك وارث لا يطلع عليه إلا بعد البحث، وقد تكون هناك وصايا أو ديون أو حقوق أخرى لا علم للورثة بها، ومن المعروف أنها مقدمة على حق الورثة في المال، فلا ينبغي إذاً قسم التركة دون مراجعة للمحاكم الشرعية إذا كانت موجودة، تحقيقا لمصالح الأحياء والأموات.
والله أعلم.