الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فالإرادة إذا نسبت لله تعالى فهي نوعان: إرادة كونية قدرية، وإرادة شرعية دينية. والفرق بينهما أن الإرادة الكونية القدرية لا بد أن تقع، وقد تكون مما يحبه الله كالطاعات، وقد تكون مما يبغضه الله كالمعاصي. وأما الإرادة الدينية الشرعية فلا تكون إلا مما يحبه الله، وقد تقع وقد لا تقع، لأن الله تعالى أعطى العباد اختيارا في الطاعة والمعصية، كما سبق بيانه في الفتوى رقم: 130717.
فإذا تبين هذا، فالشر يقع بإرادة الله الكونية، لا بإرادته الشرعية.
ثم يجب التنبه إلى أن أفعال الله تعالى كلها منطوية على الحكمة التامة، وقد يدرك العباد أو بعضهم شيئا من هذه الحكمة، وقد تعجز عقولهم القاصرة عن إدراكها، ولذلك كان مبنى الدين على الإيمان بالغيب، وإثبات كل أنواع الكمال المطلق لله تعالى، ونفي كل أنواع النقص عنه سبحانه.
وعليه... فما من شيء خلقه الله تعالى وإن كان في وجوده شر نسبي إلا ومصلحة وجوده أعظم من مفسدتها، وهذا الجزء من الشر لا ينسب لله تعالى ولكن ينسب إلى مخلوقاته، وإنما ينسب له تعالى الحكمة من خلقه. فكل الأمور السيئة كما يقول ابن القيم: قدرها الله سبحانه وقضاها لحكمته، وهي باعتبار تلك الحكمة نوع من إحسانه، فإن الرب سبحانه لا يفعل سوءاً قط، بل فعله كله حسن وخير وحكمة، كما قال تعالى: بِيَدِكَ الْخَيْرُ. {آل عمران: 26}. وقال أعرف الخلق به صلى الله عليه وسلم: والشر ليس إليك. فهو لا يخلق شرا محضا من كل وجه، بل كل ما خلقه ففي خلقه مصلحة وحكمة، وإن كان في بعضه شر جزئي إضافي، وأما الشر الكلي المطلق من كل وجه فهو تعالى منزه عنه وليس إليه. شفاء العليل.
وقال الشيخ ابن عثيمين: الله خلق كل شيء الخير والشر، ولكن الشر لا ينسب إليه، لأنه خلق الشر لحكمة، فعاد بهذه الحكمة خيرا، فالشر ليس في فعل الله، بل في مفعولاته، أي مخلوقاته. ومخلوقات الله تنقسم إلى ثلاثة أقسام هي:
1 - شر محض كالنار وإبليس باعتبار ذاتيهما، أما باعتبار الحكمة التي خلقهما الله من أجلها، فهي خير.
2 - خير محض، كالجنة والرسل والملائكة.
3 - فيه شر وخير، كالإنس والجن والحيوان. فتاوى ابن عثيمين .
وقد سبق لنا في الفتاوى ذوات الأرقام التالية: 2855، 121395، 131433. التنبيه على أنه ليس من الأدب أن يوصف الله بأنه أراد الشر بعباده، وإن كان سبحانه هو خالقه وموجده.
والله أعلم.