الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فالمرض النفسي ـ إذا تحقق أنه مرض نفسي كالفصام والوسواس القهري ـ في حاجة إلى العلاج ومراجعة الأخصائيين من الأطباء، كما هو الحال في المرض البدني، وفي كلا النوعين لا يتعارض ذلك مع صدق العبد مع ربه وقوة يقينه وحسن توكله وإيمانه بقضاء الله وقدره، بل إن طلب العلاج من جملة القدر.
ومن المعروف أن اتصاف العبد بهذه الصفات الجليلة لا يستلزم عافيته أو شفاءه، لا ابتداء ولا استمرارا، بل العكس قد يكون هو الحاصل؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: أشد الناس بلاء الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل، فيبتلى الرجل على حسب دينه، فإن كان دينه صلبا اشتد بلاؤه، وإن كان في دينه رقة ابتلي على حسب دينه، فما يبرح البلاء بالعبد حتى يتركه يمشي على الأرض ما عليه خطيئة. رواه الترمذي وقال: حسن صحيح. وابن ماجه وأحمد، وصححه الألباني.
وعن ابن مسعود قال: دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يوعك فمسسته بيدي فقلت: يا رسول الله إنك لتوعك وعكا شديدا؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أجل إني أوعك كما يوعك رجلان منكم. قال فقلت: ذلك أن لك أجرين؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أجل. ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما من مسلم يصيبه أذى من مرض فما سواه إلا حط الله به سيئاته كما تحط الشجرة ورقها. متفق عليه.
والمقصود أن المرء قد يبتلى بما يُصنَّف على أنه مرض نفسي، ولا يكون ذلك قدحا في صدق إيمانه وحسن توكله ورضاه بقضاء الله وقدره، وليس بالضرورة أن يكون المرض النفسي ناشئا عن ضعف في اليقين ونحو ذلك.
ونوصي السائلة للوقوف على تفاصيل مهمة في مسألته بمراجعة كتاب (الأمراض النفسية) للدكتور ياسر عبد القوي. وكتاب (الطريق إلى الصحة النفسية عند ابن القيم وعلم النفس) للدكتور عبد العزيز الأحمد. وكذا رسالة (الإرشاد النفسي: خطواته وكيفيته نموذج إسلامي) للدكتور عبد العزيز النغيمشي، أستاذ علم النفس بجامعة الإمام.
والله أعلم.