الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فالفيصل في هذه المسألة ونحوها من قضايا المنازعات ومسائل الخصومات هو المحاكم الشرعية إن وجدت أو ما يقوم مقامها من الهيئات والمجالس في البلاد التي لا توجد بها محاكم شرعية، لكن من حيث الإجمال نقول لك إن الشريعة جاءت بحفظ حقوق الناس وصيانتها من الاعتداء وإباحة أخذ التعويض عن الضرر ومعاقبة الجاني بمثل إساءته وتعزيره وتأديبه. ولكن يتعذر علينا هنا أن نقدر كم تستحق من التعويض فهذا مرده القاضي الشرعي المطلع على القضية بجميع تفاصيلها وراجع الفتاوى رقم: 9215، 100957، 35535، 100303. فقد بينا خلالها جواز التعويض عن الضرر ومشروعية المطالبة به وأن ثمن الدواء وتكاليف العلاج ونحوها تكون على الجاني. وأن الضرر المعنوي لا يجوز أخذ عوض مادي عنه، وغير ذلك من القضايا التي تضمنها السؤال.
لكن ننبه هنا على أنه لو تم التراضي والصلح على بذل عوض مادي سواء أكان نصف مليون أو غيره عما يوجب القصاص فلا حرج عليكم في قبوله والانتفاع به، ولو كان أكثر من الدية المقررة شرعا. قال السرخسي في المبسوط قال الكاساني في بدائع الصنائع: فَدَلَّتْ الْآيَةُ أي قوله تعالى: فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ {البقرة: 178} على جَوَازِ الصُّلْحِ من الْقِصَاصِ على الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ. انتهى منه بتصرف يسير. جاء في المغني: ومتى صالح عما يوجب القصاص بأكثر من ديته أو أقل جاز. اهـ.
فتبين من خلال ذلك جواز الصلح عن القصاص ببذل أكثر منه أو أقل حسب الاتفاق. فلا جناح عليكم في قبول ما عرض عليكم للصلح وإبراء الجناة.
والله أعلم.