الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فما يفعله هؤلاء الناس من الصلاة خلف المذياع عمل غير صحيح، وقد بين أهل العلم أن الاقتداء بالمذياع لا يصح لا في الجمعة ولا في الجماعة، وذلك لعدم اتصال الصفوف، وللعلامة العثيمين رحمه الله في الشرح الممتع كلام نفيس حول هذه المسألة.
فقد قال رحمه الله: وعلى القول الثاني: لا تَصِحُّ الصَّلاةُ؛ لأنَّ الصفوفَ غيرُ متَّصلةٍ. وهذا القولُ هو الصَّحيحُ، وبه يندفع ما أفتى به بعضُ المعاصرين مِن أنَّه يجوز الاقتداءُ بالإِمامِ خلفَ «المِذياعِ»، وكَتَبَ في ذلك رسالةً سمَّاها: «الإقناع بصحَّةِ صلاةِ المأمومِ خلفَ المِذياع»، ويلزمُ على هذا القول أن لا نصلِّيَ الجمعةَ في الجوامع بل نقتدي بإمام المسجدِ الحرامِ؛ لأنَّ الجماعةَ فيه أكثرُ فيكون أفضلَ، مع أنَّ الذي يصلِّي خلفَ «المِذياع» لا يرى فيه المأموم ولا الإِمامَ، فإذا جاء «التلفاز» الذي ينقل الصَّلاة مباشرة يكون مِن بابِ أَولى، وعلى هذا القول اجعلْ «التلفزيون» أمامَك وصَلِّ خلفَ إمامِ الحَرَمِ، واحْمَدِ اللهَ على هذه النِّعمةِ؛ لأنَّه يشاركك في هذه الصَّلاةِ آلاف النَّاس، وصلاتك في مسجدك قد لا يبلغون الألف.
ولكن؛ هذا القولُ لا شَكَّ أنَّه قولٌ باطلٌ؛ لأنه يؤدِّي إلى إبطالِ صلاةِ الجماعةِ أو الجُمعة، وليس فيه اتِّصالَ الصُّفوفِ، وهو بعيدٌ مِن مقصودِ الشَّارعِ بصلاةِ الجمعةِ والجماعةِ. والذي يصلِّي خلفَ «المِذياع» يصلِّي خلفَ إمامٍ ليس بين يديه بل بينهما مسافات كبيرة، وهو فتح باب للشر؛ لأنَّ المتهاون في صلاةِ الجُمُعة يستطيع أن يقولَ: ما دامتِ الصَّلاةُ تَصِحُّ خلفَ «المِذياع» و«التلفاز»، فأنا أريدُ أن أصلِّيَ في بيتي، ومعيَ ابني أو أخي، أو ما أشبه ذلك.
فالرَّاجح: أنه لا يَصِحُّ اقتداءُ المأمومِ خارجَ المسجد إلا إذا اتَّصلتِ الصُّفوف" انتهى باختصار يسير.
وبه تعلم أن هؤلاء مخطئون كل الخطأ فيما يفعلونه، والواجب عليهم أن يقضوا جميع الصلوات التي صلوها على هذه الحال؛ لأنها لم تقع صحيحة ولا مسقطة للفرض، ثم الواجب عليهم أن يقضوها ظهرا لأن الجمعة إذا فات وقتها فإنها تقضى ظهرا.
قال الشيخ الفوزان حفظه الله: واحرصوا على أن تقيموا صلاة الجماعة بأن تجتمعوا وتصلوا جميعًا ولا تصلوا فرادى . أما من ناحية الذين يصلون خلف المذياع ويقتدون بصوت إمام يسمعونه من المذياع فهذه الصلاة باطلة، وهذا الاقتداء لا يصح لما بينهم وبين الإمام من مسافات بعيدة . وعليهم أن يعيدوا الصلوات التي صلوها على هذا النمط لعدم صحتها. انتهى.
ثم إن الأمر أيسر من ذلك بكثير، فما تصح به خطبة الجمعة ليس فيه كبير عناء، فإذا غاب الموكل بالخطبة والصلاة فما عليهم إلا أن يقدموا أحدهم فيأتي بخطبتين فيحمد الله ويتشهد ويصلي على النبي صلى الله عليه وسلم، ويقرأ ولو آية من القرآن ثم يعظهم ولو موعظة يسيرة، ولو بأن يقول لهم اتقوا الله، وبهذا يكون قد أتى بما يجب في الخطبة، ثم يجلس ثم يقوم ويأتي بالخطبة الثانية على هذا الوجه المذكور، ويدعو في آخرها، ثم ينزل فيصلي بهم ركعتين.
وانظر لمعرفة أركان خطبة الجمعة الفتوى رقم: 127805، ولمزيد الفائدة انظر الفتوى رقم: 115949.
وأما صلاتهم خلف المذياع فلا تجوز ولا تصح كما قدمنا.
والله أعلم.