الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فقد كان الأليق بالسائلة الكريمة أن تصوغ سؤالها صياغة مستفهم لا صياغة مستنكر، على أنا ننصحها بأن تنصف نفسها وتعلم أن مدار الحكم بالحل أو الحرمة إنما هو أدلة الشرع وليس للذوق الشخصي أو الرأي المجرد أو الشيوع أو عدمه مجال في ذلك. وعلينا أن نطوع الواقع للشرع، وأما العكس فلا يصح.
وأما بخصوص السؤال، فما ذكرته السائلة يلزم من قال بالتفريق بين المتزوجة وغير المتزوجة في حكم النمص، والفتوى عندنا على عدم التفريق، وأنه يحرم النمص على المتزوجة أيضا ولو أذن الزوج؛ لوجود العلة في كلتيهما، وهي تغيير خلق الله ابتغاء الحسن، كما هو مصرح به في الأحاديث، وهذا هو الصواب في المسألة، وقد سبق أن ذكرنا ذلك وبينا أسباب ترجيحه في الفتوى رقم: 22244. وراجعي أيضا الفتويين رقم: 10402، 8472.
وأما قول السائلة: (إن المرأة التي تبقيه كما هو تفتقد شيئاً من مقتضيات الأنوثة، ولا ينقصها سوى شارب ولحية حتى يصير وجهها مثل وجه أي رجل) ! ففيه من المجازفة والمغالطة ما يُكذبه الواقع، فضلا عن التجرؤ الواضح على دلالة النصوص وكلام أهل العلم، والذي نعتقده أن مثل هذا الحكم إنما صدر بسبب الإغراق في التشبه المذموم بالكافرات والفاسقات، وجموح الرغبة في الزينة والتجمل على أية حال وبأية وسيلة، حتى صارت معايير الجمال نفسها غربية في كثير من الأحيان، وهذا بخلاف حال من تمسك بدينه وقيمه، فهو يرى النمص مُثلة، ويرى الجمال في شكل الحاجبين كما خلقهما الله تعالى: الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ {السجدة: 7} وقال تعالى: الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ {النمل: 88}
وقد أبصر رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا يجر إزاره، فأسرع إليه فقال: ارفع إزارك واتق الله. قال: إني أحنف تصطك ركبتاي! فقال: ارفع إزارك؛ فإن كل خلق الله عز وجل حسن. فما رئي ذلك الرجل بعد إلا إزاره يصيب أنصاف ساقيه أو إلى أنصاف ساقيه. رواه أحمد، وصححه الألباني على شرط الشيخين.
وقد سبق أن نبهنا على أن نمص الحاجبين لا يجمل المرأة، فراجعي الفتوى رقم: 51429.
وعلى أية حال فكون النمص زَينا أو شَينا، جمالا أو قبحا، ليس هو محل النظر، وإنما محله هو موافقته أو مخالفته لحكم الشرع، فإن كان ترقيق الحاجبين داخلا قطعا في معنى النمص، فهو من الزينة المحرمة، حتى لو أطبقت نساء الدنيا على فعله، وهذا لن يكون، فإنه بحمد الله توجد فئة من المؤمنات، يؤثرن طاعة الله على هوى النفس، وموافقة العرف، وضغط الأمر الواقع.
وأما من فعل ذلك من النساء الفضليات على حد وصف السائلة، فقد تكون معذورة إن كانت فعلته تقليدا لمن تعتقد صواب قوله من أهل العلم. وذلك كحال من يحلق لحيته من الرجال ـ وهم الأكثرية ـ مع النهي الصريح الصحيح عن ذلك من النبي صلى الله عليه وسلم. وإنما قلنا بعذر المقلد، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: من أفتي بغير علم كان إثمه على من أفتاه. رواه أبو داود وابن ماجه وأحمد، وحسنه الألباني.
وراجعي في ذلك الفتوى رقم: 16179.
هذا، وينبغي التنبه إلى أن شعر الحاجب إذا كان كثيفا أو طويلا إلى حد يخرج عن المعتاد بشكل واضح بحيث يشوه الخلقة ويضر صاحبه، فيجوز عندئذ الأخذ منه بالقدر الذي يزول به التشويه والضرر، كما سبق التنبيه عليه في عدة فتاوى، منها الفتاوى ذوات الأرقام التالية: 1007، 20494، 76801.
والله أعلم.