الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فاعلم ـ أولا ـ أن الأصل في الأشياء الإباحة، فلا يحرم منها إلا ما دل الدليل على تحريمه، ولا يكره إلا ما دل الدليل على كراهته، وذلك لقوله تعالى: هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُم مَّا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً {البقرة:29}.
وعليه، فإنه يباح للرجل لبس ما شاء من المعادن والصلاة فيها، إلا ما منع منه الشرع، وذلك كالذهب للرجال، فإن لبسه حرام عليهم بدلالة النصوص الكثيرة، ومنها حديث أبي موسى: أحل الذهب والحرير للإناث من أمتي وحرم على ذكورها.
أخرجه النسائي.
ويباح للرجل لبس خاتم الفضة، وما في معناه ملحق به كقبيعة السيف والمنطقة، جاء في الروض مع حاشيته: ويباح للذكر من الفضة: الخاتم لأنه عليه السلام اتخذ خاتما من ورق، قال الشيخ: أما خاتم الفضة فيباح اتخاذه باتفاق الأئمة، فإنه صح عن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه اتخاذ ذلك، بخلاف الذهب، فإنه حرام باتفاق الأئمة الأربعة، فإنه قد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن ذلك. هـ.
وقال الشيخ: لبس الفضة إذا لم يكن فيه لفظ عام بالتحريم، لم يكن لأحد أن يحرم منه إلا ما قام الدليل الشرعي على تحريمه، فإذا أباحت السنة خاتم الفضة، دل على إباحة ما في معناه، وما هو أولى منه بالإباحة، وما لم يكن كذلك، فيحتاج إلى نظر في تحليله وتحريمه، والتحريم يفتقر إلى دليل والأصل عدمه.
انتهى.
ولا يباح من الذهب إلا ما دعت إليه الضرورة كرباط الأسنان، قال في كشاف القناع: ويباح لذكر من ذهب ما دعت إليه ضرورة كأنف ـ وإن أمكن اتخاذه من فضة ـ لأن عرفجة بن أسعد قطع أنفه يوم الكلاب فاتخذ أنفا من فضة فأنتن عليه فأمره النبي صلى الله عليه وسلم فاتخذ أنفا من ذهب.
رواه أبو داود وغيره، وصححه الحاكم.
والحكمة في الذهب أنه لا يصدأ بخلاف الفضة، وكربط سن أو أسنان به لما روى الأثرم عن موسى بن طلحة وأبي جمرة الضبعي وأبي رافع ـ ثابت البناني ـ وإسماعيل بن زيد بن ثابت والمغيرة بن عبد الله: أنهم شدوا أسنانهم بالذهب.
انتهى.
وأما النساء: فيباح لهن لبس الذهب وغيره من أنواع الحلي إجماعا، وأما الجواهر الكريمة ـ كالزمرد ونحوه ـ فيباح اتخاذها لهما، لعدم ورود نهي عن شيء منها، والأصل الإباحة، جاء في الروض مع الحاشية: ويباح لهما تحل بجوهر ونحوه ـ كزمرد وماص، ولؤلؤ وياقوت ـ ولو في حلي، قال ابن حزم:
اتفقوا على جواز تحلي النساء بالجوهر والياقوت، واختلفوا في ذلك للرجال، وتقدم اتفاقهم على جواز التختم لهما بجميع الأحجار.
انتهى.
وفي كراهة التحلي بخاتم الحديد والنحاس والصفر والرصاص خلاف بين العلماء، قال ابن قاسم ـ رحمه الله: وكره لرجل وامرأة تختمهما بحديد وصفر ونحاس ورصاص، نص عليه في رواية الجماعة، وقال: أكره خاتم الحديد، لأنه حلية أهل النار، وكذا دملج ونحوه، مما في معنى الخاتم، وثبت في الصحيحين قوله: ولو خاتمًا من حديد.
وهو مذهب الحنفية، وعليه، فلا يكره، وما رواه أبو داود وغيره مرفوعًا: إنه حلية أهل النار.
ففي صحته نظر.
انتهى.
وكل ما جاز لبسه من المعادن جازت الصلاة فيه، وإذا صلى المسلم وهو لابس ما لا يجوز له لبسه فهو آثم ـ وإن كانت صلاته صحيحة عند أكثر العلماء ـ لانفكاك الجهة.
والله أعلم.