الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فقوله صلى الله عليه وسلم: فمن اتقى الشبهات استبرأ لدينه وعرضه.
معناه ـ والله أعلم ـ أن من ترك الشبهات فقد حفظ دينه وصان عرضه، قال النووي: استبرأ لدينه وعرضه: أي حصل له البراءة لدينه من الذم الشرعي، وصان عرضه عن كلام الناس فيه.
شرح النووي على مسلم.
والشبهات: هي الأمور المترددة بين الحل والحرمة.
والمقصود من الحديث: الأمر بترك الشبهات، لكن هل تركها واجب أو مندوب؟ هذا محل خلاف بين العلماء والراجح - والله أعلم - أنه مندوب، قال النووي: ما لم يظهر للمجتهد فيه شيء وهو مشتبه، فهل يؤخذ بحله أو بحرمته؟ أم يتوقف فيه؟ ثلاثة مذاهب حكاها القاضي عياض وغيره.
شرح النووي على مسلم.
وقال ابن رجب: وأنواع الشبه تختلف بقوة قربها من الحرام وبعدها عنه، وقد يقع الاشتباه في الشيء من جهة اشتباه وجود أسباب حله وحرمته، كما يشك الإنسان فيه هل هو ملكه أم لا؟ وما يشك في زوال ملكه عنده، وهذا قد يرجع فيه إلى الأصل فيبني عليه، وقد يرجع في كثير منه إلى الظاهر إذا قوي على الأصل، ويقع التردد عند تساوي الأمرين، وقد يقع الاشتباه لاختلاط الحلال بالحرام في الأطعمة والأشربة من المائعات وغيرها من المكيلات والموزونات والنقود.
فكل هذه الأنواع من كان عنده فيها علم يدله على حكم الله ورسوله فيها فتبعه فهو المصيب، ومن اشتبهت عليه، فإن اتقاها واجتنبها فقد فعل الأولى واستبرأ لدينه وعرضه فسلم من تبعتها في الدنيا والآخرة.
فتح الباري لابن رجب.
وقد سبق بيان المراد بالشبهات وحكمها في الفتوى رقم: 47544، وللفائدة راجع في ذلك الفتوى رقم: 30478.
والله أعلم.