الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فقد اختلف العلماء في مشروعية تكرار مسح الرأس، وكذا الأذنان، إذ هما منه كما روي في الحديث، فذهب الجمهور إلى أن المشروع في الممسوح أن يمسح مرة واحدة، وهو قول أحمد في المشهور عنه ومذهب مالك وأبي حنيفة وبعض أصحاب الشافعي، وذهب الشافعي وأكثر أصحابه إلى أن المشروع في مسح الرأس التكرار، واستدلوا على ذلك بأحاديث كحديث عثمان عند أبي داود وفيه تثليث المسح، وبالقياس على سائر أعضاء الوضوء، ورد الجمهور استدلالهم بتضعيف الأحاديث، وبأن المناسب في المسح التخفيف والتكرار لا تخفيف معه، وبالقياس على التيمم والمسح على الجبيرة.
قال ابن قدامة في تعليل مشروعية عدم التكرار: ولأنه مسح في طهارة فلم يسن تكراره كالمسح في التيمم والمسح على الجبيرة وسائر المسح. انتهى.
وحجة الجمهور من حيث الأثر أصح، فإن الأحاديث الثابتة في الصحيحين فيها إطلاق مسح الرأس، والإطلاق لا يقتضي التكرار.
وفي سنن أبي داود عن علي رضي الله عنه تقييد المسح بواحدة وهو حديث صحيح.
قال الإمام المحقق ابن قيم الجوزية رحمه الله في الهدي ما نصه: وكان يمسحُ رأسه كلَّه، وتارة يُقْبِلُ بيديه وَيُدْبرُ، وعليه يُحملُ حديث من قال: مسح برأسه مرتين والصحيح أنه لم يكررَ مسح رأسه، بل كان إذا كررَ غَسْلَ الأعضاء، أفرد مسحَ الرأس، هكذا جاء عنه صريحاً، ولم يصحَّ عنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خلافه البتة، بل ما عدا هذا، إمّا صحيح غير صريح، كقول الصحابي: توضأ ثلاثاً ثلاثاً، وكقوله: مسح برأسه مرتين، وإما صريح غير صحيح، كحديث ابن البيلماني، عن أبيه، عن عمر أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: مَنْ تَوَضَّأُ فَغَسَلَ كَفَّيْه ثلاثاً" ثم قال: "وَمَسَحَ بِرَأسه ثَلاثَاً" وهذا لا يحتج به، وابن البيلماني وأبوهَ مضعَفان، وإن كان الأب أحَسَن حالاً. وكحديث عثمان الذي رواه أبو داود أنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَسَحَ رَأسَهُ ثَلاثاً. وقال أبو داود: أحاديثُ عثمان الصحاحُ كلُّها تدل على أن مسح الرأس مرة. انتهى.
وقال الشوكاني في شرح المنتقى: وذهب مجاهد والحسن البصري وأبو حنيفة والمؤيد بالله وأبو نصر من أصحاب الشافعي إلى أنه لا يستحب تكرار مسح الرأس، واحتجوا بما في الصحيحين من حديث عثمان وعبد الله بن زيد من إطلاق مسح الرأس مع ذكر تثليث غيره من الأعضاء وبحديث الباب وما ذكرناه بعده من الروايات المصرحة بالمرة الواحدة. والإنصاف أن أحاديث الثلاث لم تبلغ إلى درجة الاعتبار حتى يلزم التمسك بها لما فيها من الزيادة. فالوقوف على ما صح من الأحاديث الثابتة في الصحيحين وغيرهما من حديث عثمان وعبد الله بن زيد وغيرهما هو المتعين، لا سيما بعد تقييده في تلك الروايات السابقة بالمرة الواحدة. انتهى.
والله أعلم.