الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فلا نوافق السائل على دعواه، ولا نقره على فهمه. وكلام شيخ الإسلام ابن تيمية كلام متين، وهو اللائق بالفهم الثاقب الذي يتمتع به مثله من أئمة الإسلام.
ومعناه أن الاستمناء محرم، وأنه إن أبيح لضرورة فلا يجوز تعدي قدر الضرورة، ومن المعروف أن الإنزال لو حصل بالاستمناء لمن خشي على نفسه العنت، أن شبقه سيزول وشهوته ستضعف، وهذا هو القدر الذي تزول به ضرورته، أما فعله من أجل التلذذ، أو عن طريق تذكر صورة امرأة كأنه يجامعها، أو اتخاذ ذلك عادة، فهذا خارج عن محل الضرورة بلا ريب. ولذلك لم يبحه الشيخ وقال: الصبر عن هذا من الواجبات لا من المستحبات اهـ.
ولمزيد الإيضاح ينبغي أن يعلم السائل أن الضرورات إن كانت تبيح المحظورات، فإنها لابد أن تقدر بقدرها، ومثال ذلك أكل الميتة للمضطر، حيث صرح القرآن بتقييد الجواز بعدم التجانف للإثم وعدم البغي والعدوان، فقال تعالى: فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِإِثْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ {المائدة: 3} وقال سبحانه: فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ {النحل: 115}
قال الطبري: (غير باغ) في أكله إياه تلذذا لا لضرورة حالة من الجوع (ولا عاد) في أكله بتجاوزه ما حده الله وأباحه له من أكله اهـ.
وقال ابن كثير: قال السدي: (غير باغ) يبتغي فيه شهوته. وقال عطاء الخراساني في قوله: { غَيْرَ بَاغٍ }: لا يشوي من الميتة ليشتهيه ولا يطبخه، ولا يأكل إلا العُلْقَة، ويحمل معه ما يبلغه الحلال، فإذا بلغه ألقاه اهـ.
وقال تاج الشريعة في (التوضيح على التنقيح): معناه غير طالب للميتة قصدا إليها، ولا آكل الميتة تلذذا واقتضاء للشهوة بل يأكلها دافعا للضرورة .. اهـ.
وقال البجيرمي في حاشيته على الخطيب: (غير متجانف لإثم) أي غير مائل له ومنحرف إليه بأن يأكلها تلذذا أو مجاوزا حد الرخصة اهـ.
والله أعلم.