الإجابــة:
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فنسأل الله لك الثبات على الحق والعزيمة على الرشد وأن يصلح لك الحال والبال ويهديك سواء السبيل.
وإنا لننصحك بالموازنة بين القيام بمصالح الدين والدنيا وأن تلزم في ذلك الطريق الوسط، فلا تنصرف لتعلم العلم والتبصر في أمور دينك بحيث يصدك هذا عن القيام بمصالح أهلك وولدك، ولا تركن إلى الدنيا وملهياتها بحيث تلهيك عن العمل والتفقه في أمور دينك.
وراجع نصيحتنا بخصوص هذا الشأن في الفتوى رقم: 77968.
لكنا هنا ننبه على أمر هام، وهو أن الإنسان قد جبل بطبعه على حب الدنيا والتمتع بملذاتها المختلفة فهو أبدا يسعى للتوسع فيها فبعد أن يحصل الضروريات والحاجيات يسعى لنيل التحسينات والكماليات ويستزيد من ذلك له ولأهل بيته وهذا في الحقيقة أمر لا آخر له، ولا يزال الشيطان يغريه ويزين له هذا ويحسنه في قلبه وعينه حتى يدركه الموت وهو على ذلك وقد أشار الله سبحانه لهذا المعنى في قوله تعالى: أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ.{التكاثر:1، 2}.
يقول ابن القيم رحمه الله في كتابه الفوائد: فقوله تعالى: ألهاكم أي شغلكم على وجه لا تعتذرون فيه....... والتكاثر تفاعل من الكثرة أي مكاثرة بعضكم لبعض وأعرض عن ذكر المتكاثر به إرادة لإطلاقه وعمومه وأن كل ما يكاثر به العبد غيره سوى طاعة الله ورسوله وما يعود عليه بنفع معاده فهو داخل في هذا التكاثر فالتكاثر في كل شيء من مال أو جاه أو رياسة أو نسوة أو حديث أو علم ولا سيما إذا لم يحتج إليه، والتكاثر فى الكتب والتصانيف وكثرة المسائل وتفريعها وتوليدها، والتكاثر أن يطلب الرجل أن يكون أكثر من غيره وهذا مذموم إلا فيما يقرب إلى الله فالتكاثر فيه منافسة في الخيرات ومسابقة إليها، وفى صحيح مسلم من حديث عبد الله بن الشخير أنه انتهى إلى النبي وهو يقرأ: ألهاكم التكاثر. قال: يقول: ابن آدم مالي وهل لك من مالك إلا ما تصدقت فأمضيت أو أكلت فأفنيت أو لبست فأبليت. انتهى.
فعلى العبد أن يكون على بصيرة من أمره فيأخذ من دنياه ما يكفيه ولا يطلق لنفسه العنان في التزود منها ومن ملذاتها ولو كان من المباح فإن الاستكثار من المباح يوشك أن يوصل إلى المحظور، وأقل ما فيه تضييع الأوقات وقسوة القلب وغفلته عن الآخرة.
جاء في فتح الباري: ونقل ابن المنير في مناقب شيخه القباري عنه أنه كان يقول: المكروه عقبة بين العبد والحرام فمن استكثر من المكروه تطرق إلى الحرام، والمباح عقبة بينه وبين المكروه فمن استكثر منه تطرق إلى المكروه. وهو منزع حسن. ويؤيده رواية بن حبان من طريق ذكر مسلم إسنادها ولم يسق لفظها فيها من الزيادة: اجعلوا بينكم وبين الحرام سترة من الحلال من فعل ذلك استبرأ لعرضه ودينه ومن أرتع فيه كان كالمرتع إلى جنب الحمى يوشك أن يقع فيه. والمعنى أن الحلال حيث يخشى أن يؤول فعله مطلقا إلى مكروه أو محرم ينبغي اجتنابه كالإكثار مثلا من الطيبات فإنه يحوج إلى كثرة الاكتساب الموقع في أخذ ما لا يستحق أو يفضي إلى بطر النفس وأقل ما فيه الاشتغال عن مواقف العبودية وهذا معلوم بالعادة مشاهد بالعيان. انتهى.
والله أعلم.