الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فانتقال من أحرم منفردا إلى نية الإمامة جائز في قول كثير من أهل العلم وهو الراجح من الأقوال، وهو مذهب الشافعية والمالكية الذين لم يشترطوا نية الإمام الإمامة، جاء في الموسوعة الفقهية: وَلاَ يُشْتَرَطُ نِيَّةُ الإِْمَامِ الإِْمَامَةَ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ، إِلاَّ فِي الْجُمُعَةِ، وَالصَّلاَةِ الْمُعَادَةِ وَالْمَنْذُورَةِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ، لَكِنَّهُ يُسْتَحَبُّ عِنْدَهُمْ لِلإِْمَامِ أَنْ يَنْوِيَ الإِْمَامَةَ فِي سَائِرِ الصَّلَوَاتِ لِلْخُرُوجِ مِنْ خِلاَفِ الْمُوجِبِ لَهَا، وَلِيَحُوزَ فَضِيلَةَ الإِْمَامَةِ وَصَلاَةِ الْجَمَاعَةِ.
وقد ناقش الشيخ العثيمين ـ رحمه الله ـ مسألة تحول المنفرد إلى إمام وبين الأقوال فيها ورجح الجواز في الفرض والنفل فقال ـ رحمه الله ـ كما في الشرح الممتع: النوع الثاني: الانتقال من انفراد إلى إمامة، وقد ذكره بقوله: كنيَّة إمامته فرضاً ـ أي: كما لا يصحُّ أن ينتقل المنفرد إلى إمامة في صلاة الفرض، مثاله: رَجُلٌ ابتدأ الصَّلاة منفرداً، ثم حضر شخصٌ أو أكثر فقالوا: صلِّ بنا، فنوى أن يكون إماماً لهم، فقد انتقل من انفراد إلى إمامة، فلا يصحُّ، لأنه انتقل من نيَّة إلى نيَّة، فتبطل الصَّلاة كما لو انتقل من فَرْض إلى فَرْض، وعُلِمَ من قول المؤلِّف: كنيَّة إمامته فرضاً ـ أنه لو انتقل المنفردُ إلى الإمامة في نَفْل، فإن صلاته تصحُّ، والدَّليل على ذلك: أن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ باتَ عند النبيِّ صلّى الله عليه وسلّم ذات ليلة، فقام النبيُّ صلّى الله عليه وسلّم من الليل، فقام ابنُ عباس فوقف عن يساره، فأخذَ النبيُّ صلّى الله عليه وسلّم برأسِهِ من ورائه فجعله عن يمينه، فانتقل النبيُّ صلّى الله عليه وسلّم هنا من انفراد إلى إمامة في نَفْل، وعلى هذا، فيكون في انتقال المنفرد من انفراد إلى إمامة في النَّفْلِ نصٌّ عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم.
والقول الثاني في المسألة: أنه يصحُّ أن ينتقل من انفراد إلى إمامة في الفرض والنَّفْل، واستدلَّ هؤلاء: بأن ما ثبت في النَّفْل ثبت في الفرض، إلا بدليل، وهذا ثابتٌ في النَّفْل، فيثبت في الفرض، والدَّليل على أن ما ثبت في النَّفْل ثبت في الفرض إلا بدليل: أن الصَّحابة ـ رضي الله عنهم ـ الذين رَوَوْا أن النبيَّ صلّى الله عليه وسلّم كان يُصلِّي على راحلته في السَّفر حيثما توجَّهت به، قالوا: غير أنه لا يُصلِّي عليها الفريضة، فدلَّ هذا على أنه من المعلوم عندهم أن ما ثَبَتَ في النَّفل ثَبَتَ في الفرض، ولولا ذلك لم يكن لاستثناء الفريضة وَجْهٌ.
القول الثَّالث في المسألة: أنه لا يصحُّ أن ينتقل من انفراد إلى إمامة ـ لا في الفرض ولا في النَّفْل ـ وهذا هو المذهب، فيكون قول المؤلِّف هنا وسطاً بين القولين، ولكن الصَّحيح: أنه يصحُّ في الفرض والنَّفْل، أما النَّفْل فقد وَرَدَ به النَّصُّ ـ كما سبق ـ وأما الفرض، فلأن ما ثبت في النَّفْل ثبت في الفرض إلا بدليل.
انتهى.
وبهذا التقرير تعلم أن انتقالك إلى نية الإمامة حين نبهك أصحابك كان جائزا، بل كان هو الأولى لتحوز فضيلة الجماعة، وقبل إكمال هذا الجواب نريد أن ننبهك إلى أن الجهر بالقراءة في صلاة الصبح والأوليين من صلاة المغرب والعشاء سنة للمنفرد وللإمام، فكان ينبغي أن تجهر بالقراءة ولو كنت تصلي منفردا.
والله أعلم.