الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فعبارة: حدثني الثقة، أو غيرها من العبارات التي يقصد بها إبهام الراوي، ترد في كلام المحدثين كثيراً، ولهذا أسباب متعددة:
منها: أن يكون الذي أبهمه قد نسى اسمه أو شك في تعيينه، أو أنه غير مرضي عنده -أي لسبب لا يضر بالرواية- أو عند غيره من المحدثين، أو أنه أراد تدليسه لسبب من أسباب التدليس الأخرى سوى ما ذكر. انظر: لسان المحدثين: لمحمد خلف سلامة.
وأما بخصوص الإمام الشافعي: فقد كان يكثر إبهام شيوخه في كتبه: فلقد تنوعت عباراته عمن أبهمه من شيوخه في مسنده أنواعاً كثيرة وهي: أخبرنا بعض أصحابنا، أخبرنا بعض أهل العلم، أخبرنا الثقة، أخبرنا الثقة من أصحابنا، أخبرنا الثقة من أهل العلم، أخبرنا رجل، أخبرنا عدد من ثقات كلهم، أخبرنا غير واحد، أخبرنا غير واحد من أهل العلم، أخبرنا غير واحد من ثقات أهل العلم، أخبرنا من أثق به من أهل المدينة، أخبرنا من أثق به من المشرقيين، أخبرنا من سمع فلانا، أخبرني من لا أتهم. انظر: لسان المحدثين.
والظاهر أن ذلك من احتياط الشافعي في رواية الحديث، قال الحافظ البيهقي في توجيه ذلك: وكان الشافعي ـ رحمه الله ـ يقول: لا تحدث عن حي، فإن الحي لا يؤمن عليه النسيان، فيحتمل أنه كان يحتاط لنفسه فلا يسمي من يحدث عنه وهو حي لهذا المعنى أو غيره، والذي لا بد من معرفته أن تعلم أنه لم يحدث عن ثقة عنده لم يوجد ذلك الحديث عند ثقة معروف باسمه وحاله، فالحجة قائمة برواية المعروف الثقة، ولذلك كان لا يطالب بتسمية الثقة عنده ويكتفى بشهرته فيما بين أهل العلم بالحديث، وكانوا في القديم يأخذون الحديث أكثره حفظاً ثم يعلقونه، وحين صنف الشافعي الكتب الجديدة بمصر لم يكن معه أكثر كتبه، وكذلك حين صنف الكتب القديمة بالعراق لم يكن معه أكثر كتبه، فربما كان يشك فيمن حدثه ولا يشك في ثقته فيقول أخبرنا الثقة. انتهى من مناقب الشافعي.
وانظر للفائدة الفتويين: 55651، 104371.
والله أعلم.