الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فالغالب -وهو المعتبر- أن والدتك قد بلغت سن التكليف في تلك الفترة ولو لم تذكر أن عندها شيئاً من علامات البلوغ في ذلك الوقت كالاحتلام أو الإنبات -أي ظهور شعر العانة- أو نزول الحيض، فالظاهر أنه يحكم لها بحكم التكليف ولزوم الوفاء بالنذر، لأن الغالب على النساء بلوغ التكليف في المرحلة المذكورة من العمر، بل ربما بلغن قبل ذلك في السنة التاسعة أو العاشرة من أعمارهن، ولذلك نستبعد عدم تكليفها في المرحلة المذكورة فيلزمها الوفاء بنذرها على الكيفية التي نذرته بها ما دامت مستطيعة، لحصول غلبة الظن على بلوغها، ومن المعلوم أن الحكم يكون للغالب، وقد قال الله تعالى: وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ {الحج: 29}.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: من نذر أن يطيع الله فليطعه. الحديث رواه البخاري وغيره.
والذي فهمناه من معطيات السؤال أن عندها خلفية أو علماً بالنذر، أو الصوم المتتابع والمتفرق، فإن كان الأمر كذلك، فإنها لا تعذر بالجهل وعليها أن تفي بنذرها ـ كما أشرنا ـ إلا إذا عجزت عنه عجزاً تاماً لا يرجى زواله فعليها ـ حينئذ ـ أن تخرج بدلاً منه كفارة يمين، لما رواه أبو داود وابن ماجه: من قول النبي صلى الله عليه وسلم: ومن نذر نذراً لم يطقه فكفارته كفارة يمين. زاد ابن ماجه في روايته: ومن نذر نذراً أطاقه فليف به.
أما إذا كانت ـ كما أشرت ـ جاهلة وفي بيئة جاهلة وهي لا تدري شيئاً عن معنى ما تلفظت به، فإنها تعذر بالجهل ولا شيء عليها، فقد دلت نصوص الوحي على العذر بالجهل، كما سبق بيان ذلك في الفتوى رقم: 75673.
وقال النفراوي في الفواكه الدواني شرح رسالة ابن أبي زيد القيرواني المالكي: الجهل بمعنى اللفظ مسقط لحكمه. ونقل عن عز الدين بن عبد السلام: أن المكلف لا يؤاخذ بشيء من الألفاظ لا شعور له بمدلولها حتى يقصده باللفظ.
وقال الشيخ ابن عثيمين ـ رحمه الله ـ في لقاء الباب المفتوح عن شاب يسكن في البادية ويعم عندهم الجهل حتى بلغ العشرين من عمره ولم يصم: لا شيء عليه، لأنه معذور بالجهل.
وفي حالة عذرها بالجهل ـ وهو ما نستبعده لما سبقت الإشارة إليه ـ فإن الوفاء بالنذر أحوط لها إذا كانت مستطيعة.
والله أعلم.