الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فالذي يشتبه عليه حكم الشرع في مسألة ما، إما أن يكون مؤهلا للنظر في الأدلة الشرعية وأقوال أهل العلم والموازنة بينها، فيجب عليه النظر والاجتهاد في ذلك، فإذا ترجح عنده أحد الأقوال بدليله وجب عليه العمل به. وإما أن يكون عاميا غير مؤهل للنظر والاستدلال، فهذا إنما عليه أن يستفتي من يثق به من أهل العلم والورع، فإن اختلف عليه المفتون قلد الأوثق في نفسه. وفي كلا الحالين لا يكون هناك شبهة، وإنما تأتي الشبهة في الحالة الأولى عند تعارض الأدلة وعدم القدرة على الترجيح، وفي الحالة الثانية إذا تساوى المفتون المختلفون في نظر المقلد من ناحية الرسوخ في العلم والديانة. فهذا هو محل الشبهة، والواجب عندئذ قد بينه النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: إن الحلال بين وإن الحرام بين، وبينهما مشتبهات لا يعلمهن كثير من الناس، فمن اتقى الشبهات استبرأ لدينه وعرضه، ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام... الحديث. متفق عليه. فالواجب عند الاشتباه هو الاحتياط والاستبراء للدين والعرض، وقد سبق تفصيل ذلك في الفتاوى ذوات الأرقام التالية: 126447، 38050، 60175، 111533.
ومما يدل لذلك أيضا ما رواه أبو الحوراء السعدي قال: قلت للحسن بن علي: ما حفظت من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: حفظت من رسول الله صلى الله عليه وسلم: دع ما يريبك إلى ما لا يريبك، فإن الصدق طمأنينة وإن الكذب ريبة. رواه الترمذي وقال: حسن صحيح. والنسائي وأحمد، وصححه الألباني.
وقول ابن مسعود رضي الله عنك: من عرض له منكم قضاء بعد اليوم فليقض بما في كتاب الله، فإن جاء أمر ليس في كتاب الله فليقض بما قضى به نبيه صلى الله عليه وسلم، فإن جاء أمر ليس في كتاب الله ولا قضى به نبيه صلى الله عليه وسلم، فليقض بما قضى به الصالحون، فإن جاء أمر ليس في كتاب الله ولا قضى به نبيه صلى الله عليه وسلم ولا قضى به الصالحون فليجتهد رأيه ولا يقول إني أخاف وإني أخاف؛ فإن الحلال بين والحرام بين وبين ذلك أمور مشتبهات، فدع ما يريبك إلى ما لا يريبك. رواه الدارمي والنسائي وقال: هذا الحديث جيد جيد. اهـ. وصححه الألباني.
وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم، يعملون بذلك عند الاشتباه، ففي الصحيحين عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر بتمرة بالطريق فقال: لولا أن تكون من الصدقة لأكلتها. وبوب عليه البخاري في كتاب البيوع من صحيحه: باب ما يتنزه من الشبهات.
وفي صحيح البخاري عن عقبة بن الحارث أنه تزوج ابنة لأبي إهاب بن عزيز فأتته امرأة فقالت: إني قد أرضعت عقبة والتي تزوج، فقال لها عقبة: ما أعلم أنك أرضعتني ولا أخبرتني. فركب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة فسأله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كيف وقد قيل ففارقها عقبة ونكحت زوجا غيره. وبوب عليه البخاري رحمه الله في كتاب البيوع: باب تفسير الشبهات.
والله أعلم.