الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فعمليات تجميل الأعضاء التناسلية ليست كلها محرمة، ولكن فيها تفصيل، فإن كانت هذه العمليات لإزالة عيب خلقي لا يحصل بوجوده الاستمتاع الطبيعي بهذا العضو، أو كانت لإزالة عائق أو زوائد تعوق العضو عن القيام بوظيفته، أو كانت العملية لإزالة تشوه موجود بالعضو، أو توجد حاجة طبية معتبرة بشهادة الطبيب المتخصص تؤثر سلبا على العملية الجنسية، فكل هذه العمليات جائزة، لدخولها في عموم الأدلة التي تأمر بالتداوي، ففي مسند أحمد وسنن أبي داود والترمذي وابن ماجة، وصححه الألباني عَنْ أُسَامَةَ بْنِ شَرِيكٍ قَالَ: جَاءَ أَعْرَابِيٌّ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ: أَيُّ النَّاسِ خَيْرٌ؟ قَالَ: أَحْسَنُهُمْ خُلُقًا، ثُمَّ قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ: أَنَتَدَاوَى؟ قَالَ: تَدَاوَوْا، فَإِنَّ اللَّهَ لَمْ يُنْزِلْ دَاءً إِلَّا أَنْزَلَ لَهُ شِفَاءً عَلِمَهُ مَنْ عَلِمَهُ وَجَهِلَهُ مَنْ جَهِلَهُ.
ولأن وجود هذا العيب أو الضرر موجب للترخيص بفعل الجراحة، لأنه يعتبر حاجة، فتنزل منزلة الضرورة ويرخص بفعلها إعمالاً للقاعدة الشرعية التي تقول: الحاجة تنزل منزلة الضرورة عامة كانت أو خاصة. الأشباه والنظائر لابن نجيم ص: 91، الأشباه والنظائر للسيوطي.
أما إن كانت عمليات التجميل للأعضاء التناسلية لا تشتمل على دوافع ضرورية أو حاجية، بل هي لطلب زيادة في الحسن أو رغبة في زيادة الاستمتاع فحكم هذه الحالة التحريم، لأن إجراء الجراحة على خلقة معهودة لطلب الحسن هو التغيير المحرم، ومن أدلة عدم الجواز ما يلي:
من القرآن الكريم: قوله تعالى: وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ {النساء: 119}.
فهذه الآية واردة في سياق الذم، وبيان المحرمات التي يسول الشيطان فعلها للعصاة من بني آدم، ومنها تغيير خلق الله.
ومن السنة النبوية: ما ثبت في الصحيحين عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ ـ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ـ قَالَ: لَعَنَ اللَّهُ الْوَاشِمَاتِ وَالْمُسْتَوْشِمَاتِ وَالْمُتَنَمِّصَاتِ وَالْمُتَفَلِّجَاتِ لِلْحُسْنِ الْمُغَيِّرَاتِ خَلْقَ اللَّهِ مَا لِي لَا أَلْعَنُ مَنْ لَعَنَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ فِي كِتَابِ اللَّهِ.
قال النووي في شرح صحيح مسلم: وفيه إشارة إلى أن الحرام هو المفعول لطلب الحسن، أما لو احتاجت إليه لعلاج أو عيب في السن ونحوه فلا بأس.
ومن القياس: أنه لا تجوز جراحة التجميل التحسينية كما لا يجوز الوشم والوشر والنمص بجامع تغيير الخلقة في كلٍّ، طلباً للحسن والجمال.
ومن الأدلة العقلية: إن هذه الجراحة لا يتم فعلها إلا بارتكاب بعض المحظورات ومنها:
1ـ التخدير، إذ لا يمكن فعل شيء من عمليات التجميل الجراحية التحسينية إلا بعد تخدير المريض تخديراً عاماً وموضعياً، ومعلوم أن التخدير في الأصل محرم، وهذه العمليات لا ضرورة لقيامها، ولذا تعتبر هذه محرمة لاشتمالها على محرم ولا ضرورة لللجوء إليه.
2ـ فيها كشف للعورات بدون حاجة.
3ـ التجربة والواقع التي شهدتها هذه العمليات بأنها لا تخلو من الأضرار والمضاعفات.
وللاستزادة حول هذا الموضوع، راجعي: كتاب: أحكام الجراحة الطبية والآثار المترتبة عليها. ص ـ193 وما بعدها، لفضيلة الشيخ الدكتور محمد المختار الشنقيطي ـ حفظه الله.
وبحث: أحكام جراحة التجميل في الفقه الإسلامي للدكتور: محمد عثمان شبير.
وكذلك راجعي الفتويين رقم: 10202، ورقم: 10484، وللفائدة تراجع ـ أيضا ـ الفتوى رقم: 117820.
والله أعلم.