الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فلا شك أن القصص له أثر كبير في التربية والتوجيه، ولذلك وردت في القرآن بكثرة وقد قال تعالى: لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِّأُوْلِي الأَلْبَابِ. {يوسف:111}.
قال القاضي عياض في ترتيب المدارك: قال بعض المشايخ: الحكايات جند من جنود الله يثبت بها قلوب أوليائه، قال: وشاهده قوله تعالى: وَكُلاًّ نَّقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنبَاء الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ. انتهى.
وقال التلمساني في أزهار الرياض: كان الإمام المازري رحمه الله كثير الحكايات في المجلس، ويقول: هي جند من جنود الله، حتى كان لا يخلي مجالسه منها. انتهى.
وهذه القصة محل السؤال لا شك أن فيها عبراً وفوائد كثيرة، ابتداء من عواقب إطلاق النظر والتهاون في المعاصي والتحذير من فتنة النساء، ثم تعليق القلب برحمة الله وفضله وعدم الركون إلى العمل، وانتهاءا بكون العبرة بالخواتيم والخوف من سوء الخاتمة، ولذلك أوردها الإمام القرطبي في كتابه (التذكرة في أحوال الموتى وأمور الآخرة) في باب (ما جاء في سوء الخاتمة وما جاء أن الأعمال بالخواتيم) فقال: روى أنه كان بمصر رجل ملتزم مسجداً للأذان والصلاة، وعليه بهاء العبادة وأنوار الطاعة، فرقي يوماً المنارة على عادته للأذان، وكان تحت المنارة دار لنصراني ذمي، فاطلع فيها فرأى ابنة صاحب الدار فافتتن بها وترك الأذان، ونزل إليها ودخل الدار فقالت له: ما شأنك ما تريد؟ فقال: أنت أريد. قالت: لماذا؟ قال لها: قد سلبت لبي وأخذت بمجامع قلبي، قالت: لا أجيبك إلى ريبة. قال لها: أتزوجك، قالت له: أنت مسلم وأنا نصرانية وأبي لا يزوجني منك. قال لها: أتنصر، قالت: إن فعلت أفعل. فتنصر ليتزوجها وأقام معها في الدار، فلما كان في أثناء ذلك اليوم رقي إلى سطح كان في الدار فسقط منه فمات. فلا هو بدينه ولا هو بها، فنعوذ بالله ثم نعوذ بالله من سوء العاقبة وسوء الخاتمة. انتهى.
وذكرها ابن الجوزي في كتابه -ذم الهوى- في ذكر من كفر بسبب العشق، وذكرها ابن حجر الهيتمي في كتابه الزواجر عن اقتراف الكبائر في كبيرة (الكبر والعجب والخيلاء)، وليست هذه قصة وحيدة في هذا الباب، فقد ذكر ابن حبان في كتاب (المجروحين) في ترجمة حبيب بن أبي الأشرس أنه عشق امرأة نصرانية وقد قيل: إنه تنصر وتزوج بها، فأما اختلافه إلى البيعة من أجلها فصحيح. انتهى.
وذكر ابن حجر في ترجمته من (لسان الميزان) عن عبد الله بن سلمة الأفطس قال: تزوج ابن أبي الأشرس جارية نصرانية وكان يعشقها فتنصر. انتهى.
وقال الإمام ابن كثير في البداية والنهاية في أحداث سنة 279: وفيها توفي عبدة بن عبد الرحيم- قبحه الله- ذكر ابن الجوزي أن هذا الشقي كان من المجاهدين كثيراً في بلاد الروم، فلما كان في بعض الغزوات والمسلمون محاصروا بلدة من بلاد الروم إذ نظر إلى امرأة من نساء الروم في ذلك الحصن فهويها فراسلها، ما السبيل إلى الوصول إليك؟ فقالت: أن تتنصر وتصعد إلي، فأجابها إلى ذلك فما راع المسلمين إلا وهو عندها، فاغتم المسلمون بسبب ذلك غماً شديداً، وشق عليهم مشقة عظيمة فلما كان بعد مدة مروا عليه وهو مع تلك المرأة في ذلك الحصن فقالوا: يلا فلان! ما فعل قرآنك؟ ما فعل علمك؟ ما فعل صيامك؟ ما فعل جهادك؟ ما فعلت صلاتك؟ فقال: اعلموا أني أنسيت القرآن كله إلا قوله: رُّبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُواْ لَوْ كَانُواْ مُسْلِمِينَ* ذَرْهُمْ يَأْكُلُواْ وَيَتَمَتَّعُواْ وَيُلْهِهِمُ الأَمَلُ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ. وقد صار لي فيهم مال وولد. انتهى.
وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ قال: إن الرجل ليعمل الزمن الطويل بعمل أهل الجنة ثم يختم له عمله بعمل أهل النار، وإن الرجل ليعمل الزمن الطويل بعمل أهل النار ثم يختم له عمله بعمل أهل الجنة. رواه مسلم. وراجع للاهمية في بيان معنى هذا الحديث ونحوه الفتاوى ذوات الأرقام التالية: 69361، 58553، 30753.
والله أعلم.