الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فالسؤال يحتاج إلى توضيح وتفصيل وعلى أية حال، فإن كان العمل المقصود قربة لله، فإما أن يتعلق آخره بأوله ويبنى عليه، كالصلاة والصيام، أو لا كتلاوة القرآن.
فإن انبنى آخره على أوله، فانقطع وبطل، فلا أجر لعامله ـ اللهم ـ إلا لعذر، فإن المعذور يكتب له أجر ما نواه وإن لم يفعله، فإذا شرع فيه ثم تركه لعذر فهو أولى بالأجر.
ففي صحيح البخاري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رجع من غزوة تبوك فدنا من المدينة فقال: إن بالمدينة أقواما ما سرتم مسيرا ولا قطعتم واديا إلا كانوا معكم، قالوا: يا رسول الله، وهم بالمدينة؟ قال: وهم بالمدينة، حبسهم العذر.
وإذا لم ينبن آخره على أوله، فلعامله أجر ما عمله.
وأما إن كان ذلك العمل دنيويا، كما في عقود الإجارة، ففي ذلك تفصيل، فيفرق بين ما إذا لم يحصل شيء من المقصود وبين ما إذا حصل بعضه، جاء في شرح البهجة الوردية: لا يستحق من لم يكمل العمل كأن رد الآبق فمات على باب دار مالكه, أو غصب, أو هرب إذ لم يحصل شيء من المقصود، بخلاف ما إذا اكترى من يحج عنه فأتى ببعض الأعمال، ومات حيث يستحق من الأجرة بقدر ما عمل، وفرقوا بينهما بأن المقصود من الحج الثواب, وقد حصل ببعض العمل وهنا لم يحصل شيء من المقصود, فلو خاط نصف الثوب واحترق, أو بنى بعض الحائط فانهدم فلا شيء له، ذكره في الروضة عن الأصحاب ومحله إذا لم يقع العمل مسلما, وإلا فله أجرة ما عمل. انتهى.
وكذلك يفرق بين ما إذا كان الشيء المعمول فيه في يد الأجير وبين ما إذا كان في يد المستأجر، فإن كان في يد المستأجر فقدر ما أوقعه من العمل فيه يصير مسلما إلى المستأجر قبل الفراغ منه حتى يملك المطالبة بقدره من المدة بأن استأجر رجلا ليبني له بناء في ملكه, أو فيما في يده, بأن استأجره ليبني له بناء في داره, أو يعمل له ساباطا أو جناحا, أو يحفر له بئرا أو قناة أو نهرا أو ما أشبه ذلك في ملكه أو فيما في يده, فعمل بعضه, فله أن يطالبه بقدره من الأجرة، لكنه يجبر على الباقي, حتى لو انهدم البناء, أو انهارت البئر, أو وقع فيها الماء والتراب وسواها مع الأرض, أو سقط الساباط فله أجر ما عمله بحصته، لأنه إذا كان في ملك المستأجر أو في يده فكلما عمل شيئا حصل في يده قبل هلاكه وصار مسلما إليه فلا يسقط بدله بالهلاك، ولو كان غير ذلك في غير ملكه ويده ليس له أن يطلب شيئا من الأجرة قبل الفراغ من عمله, وتسليمه إليه, حتى لو هلك قبل التسليم لا يجب شيء من الأجرة، لأنه إذا لم يكن في ملكه ولا في يده توقف وجوب الأجرة فيه على الفراغ والتمام.
وأيضا يفرق بين ما إذا كان المانع من إتمام العمل من جهة الأجير أم من غير جهته، جاء في كشاف القناع عن متن الإقناع: وإن وصل الأجير في الحفر إلى صخر أو جماد يمنع الحفر لم يلزمه حفره، لأن ذلك الصخر أو نحوه مخالف لما شاهده من الأرض فإذا ظهر فيها أي الأرض ما يخالف المشاهدة كان له أي الأجير الخيار في الفسخ والإمضاء كخيار العيب في المبيع، فإن فسخ الأجير كان له من الأجر بحصة ما عمل، لأن المانع من الإتمام ليس من قبله، وكل موضع امتنع الأجير من إتمام العمل فيه فلا أجرة له لما عمل ـ أو أي ـ وكل موضع منع المؤجر المستأجر من الانتفاع بالعين المؤجرة إذا كان بعد عمل البعض فلا أجرة له فيه على ما سبق، لأنه لم يسلم له ما تناوله عقد الإجارة, فلم يستحق شيئا إلا أن يرد المؤجر العين للمستأجر قبل انقضاء المدة فله الأجرة، لأنه سلم العين لكن يسقط منها أجرة المدة التي احتبسها المؤجر لانفساخ الإجارة فيه, كما تقدم، أو إلا أن يتمم الأجير العمل إن لم يكن العقد على مدة قبل فسخ المستأجر فيكون له أجر ما عمل، لكونه وفى بالعمل.هـ مع حذف.
وقد يستحق الأجير الأجرة كاملة وهو لم يعمل شيئا كما في الأجير الخاص إذا سلم نفسه للمستأجر في الوقت المحدد ولم يستخدمه المستأجر.
والله أعلم.