الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فإن تعلم العلم الشرعي عبادة مطلوبة لذاتها ولغيرها، فقد فرض الله علينا أن نتعلم العلم الشرعي الذي نحتاج إليه، وأن نعمل به ومن العمل به تطبيقه في واقع الحياة ودعوة المجتمع إلى تطبيقه كما كان الصحابة رضوان الله عليهم يسألون النبي صلى الله عليه وسلم ويطلبون منه أن يعلمهم ليعملوا ويعلموا غيرهم.
ففي صحيح مسلم عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قدم وفد عبد القيس على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا : يا رسول الله إنا هذا الحي من ربيعة وقد حالت بيننا وبينك كفار مضر فلا نخلص إليك إلا في شهر الحرام فمرنا بأمر نعمل به وندعوا إليه من وراءنا.
ومن الوسائل المساعدة في تحصيل هذا أن يقرأ المسلم القران بتدبر وتفهم لمعانيه، حتى يفقه ويتبين مراد الله فيها، وقد فضل أهل العلم قراءة مقطع قليل من القرآن مع التدبر على قراءة كثير من دون تدبر.
لما في الحديث: من قرأ القران في أقل من ثلاث لم يفقه. رواه أحمد وصححه الأرناؤط.
وروى البيهقي في السنن عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: لأن أقرأ سورة البقرة فأرتلها أحب إلي من أن أقرأ القرآن كله هذرمة .
ومما يساعد على الاشتغال به وعدم الملل أن يحسن صوته به أو يسمعه من مجيد حسن الصوت كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يحسن صوته، ويحب سماعه من غيره، وكان يقول: ليس منا من لم يتغن بالقرآن. رواه البخاري.
فإذا وفق الله المسلم لتلاوته مع الترتيل والتدبر وحضور القلب الحي فنرجو الله أن يرزقه الاستفادة به.
وقد قال ابن القيم رحمه الله في الفوائد: إذا أردت الانتفاع بالقرآن، فاجمع قلبك عند تلاوته وسماعه وألق سمعك، واحضر حضور من يخاطبه به من تكلم به سبحانه منه إليه، فإنه خطاب منه لك على لسان رسوله.قال تعالى: إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ. {ق:37}. وقوله لمن كان له قلب. فهذا هو المحل القابل والمراد به القلب الحي الذي يعقل عن الله. كما قال تعالى: وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنبَغِي لَهُ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُّبِينٌ*لِيُنذِرَ مَن كَانَ حَيًّا وَيَحِقَّ الْقَوْلُ عَلَى الْكَافِرِينَ.{ يــس:69،70}. وقوله: وألقى السمع أي وجه سمعه وأصغى حاسة سمعه إلى ما يقال له وهذا شرط التأثر بالكلام. وقوله: وهو شهيد أي شاهد القلب حاضر غير غائب وهو إشارة إلى المانع من حصول التأثير وهو سهو القلب وغيبته عن تعقل ما يقال له والنظر فيه وتأمله فإذا حصل المؤثر وهو القرآن والمحل القابل وهو القلب الحي ووجد الشرط وهو الاصغاء وانتفى المانع وهو اشتغال القلب وذهوله حصل الأثر وهو الانتفاع والتذكر. انتهى.
ويتعين أن يجمع مع تدبر وتلاوة القرآن الإكثار من مطالعة كتب الحديث المؤلفة في الترغيب والترهيب والرقائق فإن النفس البشرية مهيأة بطبيعتها في الغالب لسلوك طريق الخير والشر، وبالنظر والتأمل في نصوص الأحاديث الثابتة في الترغيب والترهيب تنشط النفوس للطاعة وتنقمع عن المعصية فالترغيب يحفزها للخير والترهيب ينفرها من المعصية، ويتعين مع هذا أن يتفقه في الأعمال التي يعملها فيتعلم ما ذكر الفقهاء في أحكام العبادات وبيان شروطها وأركانها ومبطلاتها فإن تعلم تفاصيل ذلك في كل عبادة يعملها المسلم أمر متعين حتى يطيق العبادة كما أراد الله تعالى، ويتعين أن يقرأ تلك الأحكام الفقهية من الكتب التي تهتم بالدليل.
فقد قال ابن رجب في كتابه فضل علم السلف على الخلف.
قال رحمه الله تعالى: العلم النافع يدل على معرفة الله وما يستحقه من الأسماء الحسنى والصفات العلى وذلك يستلزم إجلاله ومحبته وخشيته، ويدل على معرفة ما يحبه الله ويرضاه وما يكرهه ويسخطه فيوجب ذلك لمن علمه المسارعة إلى ما فيه محبة الله ورضاه والتباعد عما يكرهه ويسخطه، فإذا أثمر العلم لصاحبه هذا فهو علم نافع هذا إن كان علمه علما يمكن الانتفاع به وهو المتلقي عن الكتاب والسنة. انتهى باختصار.
وننصح بمطالعة كتاب ابن رجب المذكور ومطالعة كتب ابن القيم ففيها كثير مما يفيد في هذا المجال والموضوع على كل موضوع مهم وهو من أولى ما يتعين اعتناء طلاب العلم الشرعي به.
والله أعلم.