الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد: فلا شك أن الأصل هو تبليغ العلم المأخوذ من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، ونشره في الناس وعدم كتمانه. قال تعالى: وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ {آل عمران: 187} ولا يصح أن يوصف شيء ثبت في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه لا يناسب العصر، وإلا فالقرآن نفسه قد يوصف بعض أحكامه بالصفة نفسها، فالثابت في السنة كالقرآن من حيث تبليغه ونشره والعمل به، فعن عبد الله بن عمرو قال: كنت أكتب كل شيء أسمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم أريد حفظه، فنهتني قريش وقالوا: أتكتب كل شيء تسمعه ورسول الله صلى الله عليه وسلم بشر يتكلم في الغضب والرضا. فأمسكت عن الكتاب، فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فأومأ بأصبعه إلى فيه، فقال: اكتب، فوالذي نفسي بيده ما يخرج منه إلا حق. رواه أبو داود وأحمد والدارمي، وصححه الألباني. وأما ما يشكل فهمه من النصوص الشرعية فهو محل اجتهاد من أهل العلم، متى يحدثون به، ومن يحدثون، وكيف يحدثون ... وقد عقد الإمام البخاري في صحيحه: باب من خص بالعلم قوما دون قوم كراهية أن لا يفهموا. وأسند تحته قول علي بن أبي طالب: حدثوا الناس بما يعرفون أتحبون أن يكذب الله ورسوله. قال ابن حجر: زاد آدم بن أبي إياس في كتاب العلم .. في آخره: "ودعوا ما ينكرون" أي: يشتبه عليهم فهمه .. وفيه دليل على أن المتشابه لا ينبغي أن يذكر عند العامة. انتهـى. وأسند فيه أيضا حديث أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لمعاذ: من لقي الله لا يشرك به شيئا دخل الجنة. قال: ألا أبشر الناس؟ قال: لا ؛ إني أخاف أن يتكلوا. ومن ذلك أيضا ما رواه مسلم عن ابن مسعود قال: ما أنت بمحدث قوما حديثا لا تبلغه عقولهم إلا كان لبعضهم فتنة. رواه مسلم. وقد سبق لنا في الفتوى رقم: 7453، أن العالم قد يمتنع عن الحديث في أمر من الأمور لما قد يسببه ذلك من فتنة وشر فيما يرى، أو لأنه قد لا يبلغ فهم السائل إدراك ما يقال على وجه صحيح. كما سبق لنا في الفتوى رقم: 24086، الرد على من زعم أن أحكام الشريعة لا تناسب هذا العصر. وراجع بخصوص الأحاديث المذكورة في السؤال الفتاوى ذوات الأرقام التالية: 67037، 6776، 105629. والله أعلم.