الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فإن المعجزة آية النبوة ودليل الرسالة، وهي أمر خارق للعادة مقرون بالتحدي في بعض الأحيان، وأما الكرامة فللأولياء وهي ظهور الأمر الخارق للعادة على أيديهم وليس على سبيل التحدي بل يجريه الله تعالى على أيديهم بدعائهم أو بدونه كرامة لهم، وإن لم يعلموا به، كما وقع لأصحاب الكهف، كما سبق بيان ذلك في الفتوى رقم: 55100.
والخضر عليه السلام نبي من الأنبياء في قول جمهور العلماء المحققين، وللحافظ ابن حجر رسالة مشهورة بعنوان: (الزهر النضر في أخبار الخضر) عقد فيه بابا لما ورد في كونه نبيا، ذكر فيها تفصيل الخلاف في نبوته، ورجح كونه نبيا وبين أدلة ذلك. وقد سبق لنا ترجيح ذلك في الفتاوى ذوات الأرقام التالية: 37719، 1110، 16992.
كما سبق لنا بيان أن الله تعالى يطلع من يشاء من الأنبياء على الغيب بواسطة الوحي، فراجع الفتوى رقم: 20497 . وما وقع للخضر إنما هو من هذا السبيل، كما أخبر هو في قوله: رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي. {الكهف:82}. قال ابن كثير: أي هذا الذي فعلته في هذه الأحوال الثلاثة، إنما هو من رحمة الله بمن ذكرنا من أصحاب السفينة، ووالدي الغلام، وولدي الرجل الصالح {وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي}، لكني أمرت به ووقفت عليه، وفيه دلالة لمن قال بنبوة الخضر عليه السلام، مع ما تقدم من قوله: فَوَجَدَا عَبْدًا مِنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْمًا. انتهى. وقال ابن حجر: هذا ظاهر أنه بأمر من الله.. ولا سبيل إلى القول بأنه إلهام؛ لأن ذلك لا يكون من غير النبي وحيا حتى يعمل به ما عمل من قتل النفس وتعريض الأنفس للغرق، فإن قلنا: إنه نبي. فلا إنكار في ذلك. انتهى.
فما وقع من الخضر ليس من باب الكرامة وإنما هو الوحي المنزل على الأنبياء عليهم السلام.
والله أعلم.