الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فبداية ينبغي أن ينتبه السائل الكريم إلى أن المفتي إنما يفتي على نحو ما يسمع، فإن أخطأ المستفتي أو كذب فهذا لا يحل له حراما ولا يحرم عليه حلالاً، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: إنما أنا بشر وإنكم تختصمون إلي ولعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض وأقضي له على نحو ما أسمع، فمن قضيت له من حق أخيه شيئا فلا يأخذ، فإنما أقطع له قطعة من النار. رواه البخاري ومسلم.
فإذا ذكر السائل مثلا أن دولته تستخدم أموال الجمارك والضرائب في المحرمات، فالعهدة عليه هو لا على المفتي، ومع ذلك ففي الفتويين اللتين ذكرهما السائل وما أحيل عليه فيهما، كان الجواب بتفصيل، فلسنا نفتى بحرمة ذلك أو إباحته مطلقا، وإنما يكون الحكم بحسب الواقع، والأصل ـ بلا شك ـ أن الضرائب والجمارك أكل بالباطل لمال المسلم الذي لا يحل إلا بطيب نفس منه، إلا إذا كانت الموارد العامة للدولة لا تفي بحاجة الأمة ومصالح الناس، وكانت تفرض لسد هذه الحاجة والقيام بتلك المصالح بالفعل، فلا حرج على ولي الأمر في فرضها بالقدر الذي يفي بالغرض دون إجحاف، وعندئذ لا يجوز التهرب منها، وإلا فقد سبق أنه لا يجوز فرضها أصلا، وقد ذكرنا هذا التفصيل في مواضع، كما في الفتاوى التالية أرقامها: 592، 5107، 30305، 65250، 75607، 37158، 26096 ، 5811.
كما أننا أشرنا إلى الحكم الأصلي في مواضع أخرى، كما في الفتاوى ذات التالية أرقامها: 7489، 8097، 13356 ، وذلك بحسب مقتضى السؤال، وبناء على هذا التفصيل يبنى حكم التهرب من الضرائب والجمارك بشكل عام، أو بدفع الرشوة للتخلص منها بشكل خاص، وذلك من باب تقليل الضرر، فإن القاعدة: أن الضرر يزال.
ولا يخفى على السائل الكريم أننا في الفتوى التي أحال إليها برقم: 9955 ، قد أشرنا إلى ضرورة المحافظة على اقتصاد الأمة وغير ذلك من المصالح العامة، والسعي في تحقيقها وتحصيلها وحرمة الإخلال بها، وهذا فيه رادع لمن يخاف الله ويتقيه في كسبه، بخلاف من وصفهم السائل بأنهم ـ يفكرون في مصالحهم الخاصة ولا تهمهم مصلحة الوطن.
والله أعلم.