الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فالأصل كون الخلع لا يقع إلا برضا الزوج، لأنه طلاق بعوض، والطلاق بيد الزوج لا بيد غيره، وبناء على ذلك، فلا يجوز للقاضي ولا لجماعة المسلمين تعيين عوض في الخلع بغير رضا الزوج، لأنه ركن من أركان عقد الخلع، فلا ينعقد بغير رضاه بحضوره أو بتوكيل منه ـ إن كان بالغا ـ أو برضا وليه إن كان صغيرا، قال المواق المالكي في التاج والإكليل: ابن شاس: أركان الخلع أربعة: العاقدان والعوضان الأول: الموجِب وشرطه أن يكون زوجا مكلفا. انتهى.
وفي منح الجليل لمحمد عليش ممزوجا بمختصر خليل المالكي: وموجبه بضم الميم وكسر الجيم أي موقع طلاق الخلع بعوض، ومثبته زوج أو نائبه من ولي ووكيل مكلف بفتح اللام أي ملزم بما فيه كلفة وهو البالغ العاقل. انتهى.
وهناك صورة يصح فيها الخلع بغير رضا الزوج وهي مخالعة الحكَمين بغير رضاه إذا ظهرت الإساءة من طرف الزوجة وترتبت على ذلك مصلحة، قال الخرشي أيضا:
يعني أن الحَكَمين عليهما أن يصلحا بين الزوجين بكل وجه أمكنهما للألفة وحسن المعاشرة ابن فرحون بأن يخلو كل واحد منهما بقريبه ويسأله عما كره من صاحبه ويقول له: إن كان لك حاجة في صاحبك رددناه إلى ما تختار معه، فإن تعذر عليهما ذلك نظرا، فإن كانت الإساءة من الزوج طلقا عليه بلا شيء يأخذانه منها له من صداق ولا غيره، وإن كانت الإساءة منها ائتمناه عليها بمعنى أنهما يجعلانه أمينا عليها بالعدل وحسن العشرة، وإن رأيا أن يأخذا له منها شيئا ويوقعا الفراق بينهما فعلا إن كان ذلك نظرا وسدادا ولو كان ما أخذاه منها له أكثر من صداقها. انتهي.
والنكاح لا يجوز فسخه إلا لسبب شرعي كعدم النفقة أو لتضرر الزوجة بغياب زوجها، وهذا الفسخ يقوم به القاضي أو جماعة المسلمين عند عدم وجوده إذا كان موافقا للشرع، ففي حاشية الدسوقي المالكي: من جملة أمر الغائب فسخ نكاحه، لعدم النفقة أو لتضرر الزوجة بخلو الفراش، فلا يفسخ نكاحه إلا القاضي ما لم يتعذر الوصول إليه حقيقة أو حكما بأن كان يأخذ دراهم على الفسخ وإلا قام مقامه جماعة المسلمين، كما ذكر ذلك شيخنا العدوي. انتهى.
ولا يجوز فسخ النكاح لغير موجب شرعي ولا فسخه بناء على مجرد رأي أغلبية جماعة المسلمين، والقاضي له شروط معروفة عند أهل العلم ذكرها المواق المالكي في التاج والإكليل قائلا: ابن رشد: للقضاء خصال مشترطة في صحة الولاية وهي: أن يكون ذكرا حرا مسلما بالغا عاقلا واحدا، فهذه ستة خصال لا يصح أن يولى القضاء إلا من اجتمعت فيه، فأولى من لم تجتمع فيه لم تنعقد له الولاية، وإن انخرم شيء منها بعد انعقاد الولاية سقطت الولاية.
ابن رشد: من هذه الشروط أيضا العدالة على المشهور من المذهب. انتهى.
كما يشترط فيه العلم بحيث يكون مجتهدا ـ إن وجد ـ وإلا فأعلم المقلدين، قال المواق أيضا في التاج والإكليل: الباجي: والذي يحتاج إليه من العلم أن يكون مجتهدا. عياض والمازري وابن العربي: يشترط كونه عالما مجتهدا أو مقلدا ـ إن فقد المجتهد ـ كشرط كونه حرا مسلما. انتهى.
وبناءً على ذلك، فالكافر لا تجوز توليته للقضاء ولا تنفذ أحكامه، كما لا تجوز تولية المسلم الجاهل بالأحكام الشرعية، ولا مجال للأكثرية في موضوع القضاء، وإذا احتاج المسلم إلى التقاضي عند من لا يصح توليه لرفع ظلم أو إحقاق حق فلا حرج في ذلك، كما سبق في الفتوى رقم: 7561.
والله أعلم.