الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فواضح جدا أيها الأخ الكريم أنك تعاني من الوسوسة، فنسأل الله الكريم أن يشفيك مما تعانيه من الوسواس، وأن يتوفاك على الإسلام.
ونصيحتنا أن تعرض عن الوساوس بالكلية .
واعلم أن الله سبحانه وتعالى لم يتوعد إلا الجريء على معصيته، وأنه لا يكفُر إلا الذي يعتقد اعتقادا مكفرا أو الذي يقول أو يفعل مكفرًا، مع كونه عالمًا بكون هذا الاعتقاد أو القول أو الفعل من أعمال الكفر وكذلك حال كونه عامدًا. وأما الغافل أو الناسي أو المخطئ فإن الله سبحانه يتجاوز عنهم، وانظر الفتوى رقم: 8106.
وطالما أنك لا تعلم من نفسك أنك فعلت ناقضًا من نواقض الإسلام فإنك على أصل التوحيد، فلا تلتفت لتلك الوساوس أبدًا، ولكن عليك أن تكثر من ذكر الله تعالى ومن الاستغفار كما كان يفعل النبي صلى الله عليه وسلم حيث كان يستغفر الله في المجلس الواحد أكثر من سبعين مرة، وقد روى أبوداود في سننه بإسناده إلى ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من لزم الاستغفار جعل الله له من كل هم فرجاً، ومن كل ضيق مخرجاً، ورزقه من حيث لا يحتسب. كما نوصيك بكثرة الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم فقد قال لأُبي بن كعب لما قال له: أجعلُ لك صلاتي كلها يا رسول الله؟ فقال: إذن تُكفى همَك ويُغفر ذنبُك. رواه الترمذي. وانظر الفتوى رقم: 16790.
هذا، ويجب أن تصان الأوراق التي فيها اسم الله تعالى أو قرآن أو حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم أو نحو ذلك عن الامتهان وذلك إذا علم بوجودها وكان قادرًا على صيانتها؛ فإن أهل العلم ينصون على أن من ترك استخراج ما فيه ذكر لله ونحوه مما هو محل تعظيم في الشريعة من أماكن القاذورات مع القدرة على ذلك فإنه يكفر.
وقد ذكر الشيخ الدردير رحمه الله تعالى إن من موجبات الردة: إلقاء مصحف بقَذَر- ولو طاهرًا- كبصاق، أو تلطيخه به، والمراد بالمصحف ما فيه قرآنٌ ولو كلمة، ومثل ذلك تركُه به أي عدم رفعه إن وجَدَه به؛ لأن الدوام كالابتداء، فأراد بالفعل ما يشمل الترك إذ هو فعلٌ نفسي. ومثلُ القرآن أسماءُ الله وأسماء الأنبياء وكذا الحديث كما هو ظاهر. وحرق ما ذُكر إن كان على وجه الاستخفاف فكذلك، وإن كان على وجه صيانته فلا ضرر بل ربما وجب، وكذا كتب الفقه إن كان على وجه الاستخفاف بالشريعة فكذلك، وإلا فلا. اهـ.
وقولهم إن هذا الفعل يعتبر كفرا إنما هو في الجملة، وليس معناه أن كل من صدر منه يعتبر كافرا بالمرة بل لا بد من إقامة الحجة عليه كما سبق في الفتوى رقم: 721. وغيرها من الفتاوى المتعلقة بالتكفير.
وتأسيسًا على ما سبق: فإن صادفت ورقًا ممتهنا مرقومًا به شيء مما سبقت الإشارة إليه فعليك أن تصونه عن الامتهان بحرقه أو دفنه أو ما أشبه ذلك. ولكن ننبهك على أمر هو أنه لا يجب عليك أن تذهب لتفتش في الأوراق التي تجدها في الطرقات لتتأكد من خلوها من اسم لله تعالى ثم تجمع ما وجدته منها لتتلفه؛ فإنك غير مكلف بذلك، ولما فيه من الحرج والمشقة المنفيين في الشريعة الإسلامية السَّمْحة، خاصة بعد أن عمت البلوى بأوراق الصحف، قال تعالى: مَا يُرِيدُ اللّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُم مِّنْ حَرَجٍ. {المائدة: 6}، وقال سبحانه: هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ. {الحج 78}. وقد ذكر بعض أهل العلم أنه لا حل لمشكلة أوراق الصحف المبعثرة إلا بتجاهلها وغض البصر عنها مع نشر الوعي الإسلامي في المجتمع حتى يتعاون الجميع على احترام ما عظمته الشريعة، وقد سبق بيان ذلك في الفتويين: 50107، 68289.
وبالنسبة إلى الباعة: فلا يجب عليك إلا أن تحذرهم من استخدام أوراق الصحف التي قد تشتمل على كلام محترم، ولا يجب عليك أكثر من ذلك، ولا يضرك عملُهم إذا لم يمتثلوا.
هذا، ولتعلم أن المنع من إهانة أسماء الأنبياء أو الملائكة لا يشمل مَن تَسمى بأسمائهم من سائر الناس بل هو مكروه، وانظر الفتويين: 40740، 110857.
وأما الأسماء المركبة المعبَّدة لله تعالى فإن لها نفس حرمة اسمه تعالى لاشتمالها عليه.
وأما بالنسبة لما تحرره من كتب إدارية، فيجب عليك أن لا تشارك في منكر وأن لا تعين عليه، وإذا اقتصر الكذب في تلك الكتب على تواريخ إنشائها، وتركت إثبات التاريخ لرئيسك في العمل فلاشيء عليك إن شاء الله.
واعلم أن تغيير تاريخ تحرير الكتب من جنس الكذب المحرم، ويزداد إثمه إذا ترتب عليه ظلم للآخرين، ومع ذلك فلا يعتبر من أعمال الكفر.
وبالنسبة لما طلبته من ذكر نواقض الشهادتين، فنفيدك أنه قد سبق لنا في فتاوى سابقة بيان جملة منها، ويمكنك الاطلاع عليها من خلال البحث الموضوعي على النحو التالي: العقيدة الإيمان ونواقضه نواقض الإيمان القولية والعملية والاعتقادية.
كما يمكنك الاطلاع على الفتاوى التالية أرقامها بوجه خاص: 7386، 3779، 8106، 133، 1854.
وأخيرًا، نوصيك مع الاستعانة بالله ودعائه بالشفاء مما بك من وساوس قهرية أن لا تهمل العلاج الطبي.
والله أعلم.