الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فالبخاري ومسلم رحمهما الله تعالى لم يستوعبا كل الصحيح في كتابيهما، بل صرحا بنفي ذلك.
قال ابن الصلاح في مقدمته: لم يستوعبا الصحيح في صحيحيهما ولا التزما ذلك، فقد روينا عن البخاري أنه قال: ما أدخلت في كتابي الجامع إلا ما صح، وتركت من الصحاح لملال الطول. وروينا عن مسلم أنه قال: ليس كل شيء عندي صحيح وضعته ههنا يعني في كتابه الصحيح، إنما وضعت ههنا ما أجمعوا عليه.
قلت: أراد والله أعلم أنه لم يضع في كتابه إلا الأحاديث التي وجد عنده فيها شرائط الصحيح المجمع عليه وإن لم يظهر اجتماعها في بعضها عند بعضهم.
وقال النووي في مقدمته على شرح صحيح مسلم: لم يلتزما استيعاب الصحيح، بل صح عنهما تصريحهما بأنهما لم يستوعباه، وإنما قصدا جمع جمل من الصحيح، كما يقصد المصنف في الفقه جمع جملة من مسائله، لا أنه يحصر جميع مسائله، لكنهما إذا كان الحديث الذي تركاه أو تركه أحدهما مع صحة إسناده في الظاهر أصلا في بابه ولم يخرجا له نظيرا ولا ما يقوم مقامه، فالظاهر من حالها أنهما اطلعا فيه على علة، إن كانا روياه، ويحتمل أنهما تركاه نسيانا، أو إيثارا لترك الإطالة، أو رأيا أن غيره مما ذكراه يسد مسده، أو لغير ذلك.
وعلى ذلك فلا يشكل عدم إخراج البخاري ومسلم لكثير من الأحاديث الصحيحة في فضائل الأعمال وتضعيف الحسنات وغير ذلك. وانظر الفتوى رقم: 108617
والله أعلم.