الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فما دام الموسوس لا يقصد بكلامه إيقاع الطلاق ولا تعليقه ولا الحلف به وإنما يوسوس إليه الشيطان بأن هذا ربما حدث منه أو ربما قصده، أو ربما وقع الطلاق به. فكل ذلك لا يقع به طلاق ولا شيء عليه فيه.
قال صاحب التاج والإكليل: سمع عيسى من رجل توسوسه نفسه فيقول: قد طلقت امرأتي، أو يتكلم بالطلاق وهو لا يريده أو يشككه، فقال: يُضرِب عن ذلك، ويقول للخبيث (يعني الشيطان) صدقت، ولا شيء عليه، ابن رشد: هذا مثل ما في المدونة أن الموسوس لا يلزمه طلاق وهو مما لا طلاق فيه، لأن ذلك إنما هو من الشيطان فينبغي أن يلهى عنه ولا يلتفت إليه. انتهى.
أما إن أراد الطلاق وقصد إيقاعه أو تعليقه فإنه يقع حينئذ شأنه في ذلك شأن الصحيح.
قال الشافعي في الأم: ومن غلب على عقله بفطرة خلقة أو حادث علة لم يكن لاجتلابها على نفسه بمعصية لم يلزمه الطلاق ولا الصلاة ولا الحدود، وذلك مثل المعتوه والمجنون والموسوس والمبرسم، وكل ذي مرض يغلب على عقله ما كان مغلوباً على عقله، فإن ثاب إليه عقله فطلق في حاله تلك أو أتى حداً أقيم عليه ولزمته الفرائض، وكذلك المجنون يجن ويفيق، فإذا طلق في حال جنونه لم يلزمه، وإذا طلق في حال إفاقته لزمه. انتهى.
والله أعلم.