الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فالدنيا دار عمل لا دار جزاء، والآخرة هي دار الحساب والجزاء، والله تعالى حليم قد لا يعاجل العاصي بالعقوبة، بل قد يفتح عليه الدنيا استدراجاً، قال تعالى: فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُواْ بِمَا أُوتُواْ أَخَذْنَاهُم بَغْتَةً فَإِذَا هُم مُّبْلِسُونَ. {الأنعام:44}. وقد يعجل الله للعاصي شيئاً من العقوبة ليرجع إلى ربه ويتوب من معصيته، والسعيد من يبادر بالتوبة ويرجع إلى ربه. واعلمي أنه مهما عظم ذنب العبد وكثرت ذنوبه ثم تاب توبة صادقة فإن الله يقبل توبته، قال تعالى: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ. {الزمر:53}. بل إن الله تعالى يحب التوابين ويفرح بتوبتهم ويبدل سيئاتهم حسنات، والتوبة النصوح تمحو ما قبلها، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: التائب من الذنب كمن لا ذنب له. رواه ابن ماجه وحسنه الألباني.
والتوبة تكون بالإقلاع عن الذنب والندم على فعله، والعزم على عدم العود له، فبادري بالتوبة النصوح وأقبلي على ربك وأبشري خيراً، ولا تدعي للشيطان مجالاً ليخذلك ويوهن عزيمتك ويلقي اليأس في قلبك فالمؤمن لا ييأس أبداً، قال تعالى: ... إِنَّهُ لاَ يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ. {يوسف:87}. فما تذكرينه عن حالك وقنوطك أمر يتنافى مع ما تقرر في كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم من سعة رحمه الله التي وسعت كل شيء أفلا تسعك، فأقبلي على الله بصدق فإن الله لا يرد من أتاه نادماً طائعاً. واحرصي على مصاحبة الصالحات من أهل السنة اللاتي يذكرنك بالله ويكن عوناً لك على الطاعة، واحذري كل الحذر من مصاحبة أهل البدع المنحرفات اللاتي إنما يردن إزاغتك عن طريق الحق ويزين لك طريق الباطل، ويحملنك على التعلق بغير الله والتماس الهدي في غير طريق النبي صلى الله عليه وسلم، ويحاولن أن يقتنصن مرحلة الضعف التي تمرين بها لإضلالك، واعلمي أنه لا نجاة للعبد إلا بالالتجاء إلى الله وحده والاعتصام بما كان عليه النبي صلى الله وسلم وصحابته الكرام.
والله أعلم.