الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فلا شك في كون ما فعله هذا الإمام خطأ ظاهر، فإن الكلام في الصلاة مبطل لها مع العلم والعمد، والظاهر أن هذا الإمام كان جاهلا بالحكم، فإن كان جاهلا فصلاته وصلاة من خلفه صحيحة على الراجح وهو مذهب مالك والشافعي ورواية عن أحمد.
وأما إن كان عالما بالحكم فصلاته باطلة وتجب عليه التوبة إلى الله تعالى مما أقدم عليه.
والواجب على هذا الإمام وسائر من يتصدرون لإمامة المصلين أن يجتهدوا في التفقه في أمور دينهم، لئلا تقع منهم أمثال هذه المخالفات، وقد بين أهل العلم حكم الكلام في الصلاة وأنه مفسد لها مع العلم والعمد، والعلماء اختلفوا فيمن تكلم ناسيا أو جاهلا وهذا تفصيل مذاهبهم كما جاء في شرح المنتقى للشوكاني ـ رحمه الله:
ولا خلاف بين أهل العلم أن من تكلم في صلاته عامدا عالما فسدت صلاته، قال ابن المنذر: أجمع أهل العلم على أن من تكلم في صلاته عامدا وهو لا يريد إصلاح صلاته أن صلاته فاسدة، واختلفوا في كلام الساهي والجاهل، وقد حكى الترمذي عن أكثر أهل العلم أنهم سووا بين كلام الناسي والعامد والجاهل وإليه ذهب الثوري وابن المبارك حكى ذلك الترمذي عنهما وبه قال النخعي وحماد بن أبي سليمان وأبو حنيفة وهو إحدى الروايتين عن قتادة، وذهب قوم إلى الفرق بين كلام الناسي والجاهل، وبين كلام العامد وقد حكى ذلك ابن المنذرعن ابن مسعود وابن عباس وعبد الله بن الزبير، ومن التابعين عن عروة بن الزبير وعطاء بن أبي رباح والحسن البصري وقتادة في إحدى الروايتين عنه وحكاه الحازمي عن عمرو بن دينار، وممن قال به مالك والشافعي وأحمد وأبو ثور وابن المنذر، وحكاه الحازمي عن نفر من أهل الكوفة وعن أكثرأهل الحجاز وأكثر أهل الشام، وعن سفيان الثوري وهو إحدى الروايتين عنه، وحكاه النووي في شرح مسلم عن الجمهور ـ استدل الأولون ـ بحديث الباب وسائر الأحاديث المصرحة بالنهي عن التكلم في الصلاة وظاهرها عدم الفرق بين العامد والناسي والجاهل، واحتج الآخرون لعدم فساد صلاة الناسي أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم تكلم في حال السهو وبنى عليه، كما في حديث ذي اليدين، واحتجوا لعدم فساد صلاة الجاهل بحديث معاوية بن الحكم...، فإنه صلى الله عليه وآله وسلم لم يأمره بالإعادة. انتهى.
والمعتمد عند الحنابلة عدم الفرق بين الناسي والجاهل والعامد في إفساد صلاة الكل بالكلام، وعن أحمد رواية أخرى بالفرق اختارها شيخ الإسلام وغيره.
والله أعلم.