الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فنسأل الله لك العافية فإن داء الوسواس قد تمكن منك وبلغ منك مبلغا عظيما، وعليك لكي تتخلص من هذا الداء أن تأخذ بأسباب العلاج وأن تجتهد في ذلك غير مستسلم لتلبيس الشيطان فإنه لا يريد إلا الإضرار بك. فعليك أن تعرض عن هذه الوساوس جملة وألا تلتفت إليها وألا تعيرها أي اهتمام، وانظر الفتوى رقم: 51601 .
واستحضر دائما أن الله عز وجل رؤوف رحيم فلا يكلف عباده ما لا يطيقون ولا يؤاخذاهم بما لا يدخل في وسعهم. واعلم كذلك أن الأصل صحة العبادة فلا يزول هذا الأصل إلا بيقين، فمهما لم تتيقين أنه قد دخل شيء إلى جوفك فصومك صحيح، ولك أن تبتلع ريقك بدون تحرج، فإن بلع الريق لا يفسد الصوم باتفاق العلماء، ولا يلزمك مسح شفتيك بمنديل ونحوه، بل هذا من آثار الوسوسة التي تعاني منها، ولو قدر أن شيئا من الطعام الباقي بين الأسنان قد دخل جوفك من غير قصد منك لابتلاعه فلا حرج عليك، بل قد ذهب بعض أهل العلم إلى أن تعمد ابتلاع الشيء اليسير مما يكون بين الأسنان لا حرج فيه، وانظر الفتوى رقم: 127289 . وبهذا يظهر لك أن الأمر أهون بكثير مما تتصوره من هذه الوساوس وتلك الأوهام.
وأما أمر النية فالراجح عندنا أن قطع نية الصوم مفسد له ولو لم يصحب ذلك أكل أو شرب كما في الفتوى رقم: 117282 .
والذي يظهر أن وقوع ذلك منك تحت ضغط الوسوسة مما يعفى عنه لأن ذلك في معنى الإكراه، وقد عفي لهذا الأمة عن الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه، وقد ذهب أهل العلم إلى أن نية قطع الصوم لا تفسده ما لم يأت بمناف للصوم، فيسعك هذا القول حتى يعافيك الله عز وجل.
وأما تبييت النية فأمره يسير فمجرد أن يخطر ببالك أنك صائم غدا هو النية الواجبة عليك، ولا يشرع لك إتعاب نفسك بالتلفظ ولا تكرار تحصيلها، فإن أمرها أهون من ذلك. قال ابن مفلح رحمه الله: ومن خطر بقلبه ليلا أنه صائم غدا فقد نوى. انتهى.
قال في الاختيار لتعليل المختار: اعلم أن النية شرط في الصوم وهو أن يعلم بقلبه أنه يصوم، ولا يخلو مسلم عن هذا في ليالي شهر رمضان. وقال في مغني المحتاج: والمعتمد أنه لو تسحر ليصوم، أو شرب لدفع العطش نهارا أو امتنع من الأكل أو الشرب أو الجماع خوف طلوع الفجر، كان نية إن خطر بباله الصوم بالصفات التي يشترط التعرض لها، لتضمن كل منها قصد الصوم.
وبه تعلم أن الأمر أهون بيسير مما تفعله بنفسك حتى يمن الله عليك بالعافية من هذا الداء.
والله أعلم.