الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فقد حرم الإسلام التهاجر بين المسلمين بعضهم بعضا وحرم كل ما يؤدي إلى هذا التهاجر من التباغض والحسد والشحناء والكذب، فعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: لَا تَبَاغَضُوا وَلَا تَحَاسَدُوا وَلَا تَدَابَرُوا وَكُونُوا عِبَادَ اللَّهِ إِخْوَانًا، وَلَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَهْجُرَ أَخَاهُ فَوْقَ ثَلَاثِ لَيَالٍ. رواه البخاري ومسلم.
وحث على الصلح بين الإخوة في الإيمان وبين أن خير المتخاصمين هو من يبدأ بإنهاء القطيعة، فقال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَا يَحِلُّ لِرَجُلٍ أَنْ يَهْجُرَ أَخَاهُ فَوْقَ ثَلَاثِ لَيَالٍ يَلْتَقِيَانِ فَيُعْرِضُ هَذَا وَيُعْرِضُ هَذَا وَخَيْرُهُمَا الَّذِي يَبْدَأُ بِالسَّلَامِ. رواه البخاري ومسلم.
ومما يبين أثر الخصام القبيح ويحث على إصلاح ذات البين بين المسلمين وعدم التقاطع من أجل الدنيا ماورد من عدم المغفرة للمتخاصمين حتى يصطلحا، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: تُفْتَحُ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَ الِإثْنَيْنِ وَيَوْمَ الْخَمِيسِ فَيُغْفَرُ لِكُلِّ عَبْدٍ لَا يُشْرِكُ بِاللَّهِ شَيْئًا إِلَّا رَجُلًا كَانَتْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَخِيهِ شَحْنَاءُ فَيُقَالُ أَنْظِرُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا أَنْظِرُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا أَنْظِرُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا. رواه مسلم.
وندمك أيها السائل على ما كان منك من كذب ورغبتك في أن يسامحك الذي تخاصمه هو بادرة خير على طريق توبتك، فقد صح عنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: النَّدَمُ تَوْبَةٌ. رواه أحمد وابن ماجه، وصححه الألباني.
والتوبة الصحيحة لابد من توفر هذه الشروط فيها:
1- الإقلاع عن الذنب، وتركه تماماً.
2- الندم على ما فات.
3- العزم على أن لا يعود.
4- إرجاع الحقوق إلى أهلها أو استحلالهم أي: طلب مسامحتهم، هذا إن كان الذنب يتعلق بحقوق الناس.
وقد سبق بيان هذه الشروط بالتفصيل في الفتاوى التالية أرقامها: 5976،29785،42083، فراجعها.
فيجب عليك ـ إذن ـ لتصح توبتك أن تستغفر الله من هذا الكذب الذي فعلته وأن تندم على ذلك وأن تعزم بقلبك على عدم العودة إلى ذلك مرة أخرى، وإن كنت قد نلت بهذا الكذب حقا من أخيك لم تكن تستحقه فيجب رده إليه أو طلب مسامحته لك في هذا الحق، وإن كنت قد كذبت بشيء لم يفعله أمام لجنة التحكيم تلك فلتطلب مسامحته على ذلك، فإن لم يسامحك فلتبين هذا لتلك اللجنة عسى أن يعفو الله عنك، ولا يضر إن كتبت فيها أنك أخطأت بدلا من كذبت فالكذب نوع من الخطإ والمهم أن تزيل ما وقع من ظلم على خصمك نتيجة هذا الكذب.
ويجب أن تعلم أن كون خصمك كذب عليك فهذا لا يبيح لك الكذب عليه أيضا فأنت مأمور بالصدق والأمانة حتى وإن خان الناس أو كذبوا فلا يقابل هذا بالمثل وهذا هو الواجب وهو أدب الإسلام الذي أدب به أتباعه، فعَنْ يُوسُفَ بْنِ مَاهَكَ الْمَكِّيِّ قَالَ: كُنْتُ أَكْتُبُ لِفُلَانٍ نَفَقَةَ أَيْتَامٍ كَانَ وَلِيَّهُمْ فَغَالَطُوهُ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ فَأَدَّاهَا إِلَيْهِمْ فَأَدْرَكْتُ لَهُمْ مِنْ مَالِهِمْ مِثْلَيْهَا قَالَ: قُلْتُ أَقْبِضُ الْأَلْفَ الَّذِي ذَهَبُوا بِهِ مِنْكَ قَالَ لَا حَدَّثَنِي أَبِي أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: أَدِّ الْأَمَانَةَ إِلَى مَنْ ائْتَمَنَكَ وَلَا تَخُنْ مَنْ خَانَكَ. رواه أحمد وأبوداود وصححه الألباني .
فإذا فعلت ما ذكرنا نحو خصمك، واستكملت باقي شروط التوبة، فالله تبارك وتعالى يقبل توبتك، وقد يكون من تمام توبة الله عليك، وكرمه وحبه للتوابين أن يتولى هو إرضاء الخصم عنك بدون أن يأخذ شيئاً من حسناتك، إن لم يسامحك خصمك، وقد قال سبحانه: وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُون * أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ {آل عمران:135-136}.
والله أعلم.