الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فلم يدرج لنا السائل الكريم رابط الموقع الذي يرغب منا الإطلاع عليه، ولكننا نقول بداية: من المعلوم أنه يجب على المسلم أن يحتاط لعبادته الواجبة فلا يبطلها بشيء وقد قال الله تعالى:... يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ. {محمد: 33}.
قال السعدي رحمه الله في تفسير هذه الآية: ويشمل النهي عن إفسادها حال وقوعها بقطعها، أو الإتيان بمفسد من مفسداتها... اهـ.
ومن ذلك الصيام فيجب على الصائم أن يحفظ صومه من أن يفسده، ولا يجوز له أن يفعل ما يعلم أو يغلب على ظنه أنه يفسد صومه به، ولذا نص أهل العلم على حرمة انغماس الصائم في الماء إن علم أن الماء يصل إلى جوفه من ذلك الانغماس، كما قال الأذرعي من الشافعية:... لَوْ عَرَفَ مِنْ عَادَتِهِ أَنَّهُ يَصِلُ مِنْهُ إلَى جَوْفِهِ أَوْ دِمَاغِهِ بِالِانْغِمَاسِ وَلَا يُمْكِنُهُ التَّحَرُّزُ عَنْهُ أَنْ يَحْرُمَ الِانْغِمَاسُ وَيُفْطِرَ قَطْعًا... اهـ من تحفة المحتاج.
والنبي صلى الله عليه وسلم منع الصائم من المبالغة في الاستنشاق فقال: ... وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائما. رواه الأربعة وصححه ابن خزيمة.
فمنع الصائم من المبالغة في الاستنشاق مع أنها مشروعة في الأصل خشية أن يدخل شيء من الماء إلى الجوف، وأمر صلى الله عليه وسلم من تعمد القيء بأن يقضي كما في قوله صلى الله عليه وسلم:... وَمَنْ اسْتَقَاءَ فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ. رواه الخمسة.
لأنه كما قال أبو الوليد الباجي في المنتقى:... لَا يَسْلَمُ فِي الْغَالِبِ مِنْ رُجُوعِ شَيْءٍ إِلَى حَلْقِهِ مِمَّا قَدْ صَارَ فِيهِ فَيَقَعُ بِهِ فِطْرُهُ... اهـ.
وبناء عليه فإذا علم أو غلب على الظن أن ممارسة ركوب الأمواج سيترتب عليها ابتلاع الماء فإنه لا يجوز ممارسة تلك الرياضة أثناء الصيام، ويفطر من مارسها وابتلع الماء ويجب عليه قضاء ذلك اليوم، كما تجب عليه التوبة إلى الله تعالى لأنه تعمد إفساد صومه.
وأما إذا علم أو غلب على ظنه أنه يمكنه التحرز من ابتلاع الماء فلا حرج في ممارستها أثناء الصيام، ويكون حكمها حكم السباحة والاغتسال للصائم وقد أجاز أهل العلم ذلك.
قال البخاري في صحيحه: بَاب اغْتِسَالِ الصَّائِمِ: وَبَلَّ ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا ثَوْبًا فَأَلْقَاهُ عَلَيْهِ وَهُوَ صَائِمٌ وَدَخَلَ الشَّعْبِيُّ الْحَمَّامَ وَهُوَ صَائِمٌ.... وَقَالَ أَنَسٌ إِنَّ لِي أَبْزَنَ أَتَقَحَّمُ فِيهِ وَأَنَا صَائِمٌ... اهـ.
قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري: الأبزن حجر منقور شبه الحوض، وكأن الأبزن كان ملآن ماءً فكان أنس إذا وجد الحر دخل فيه يتبرد بذلك.. اهـ.
وجاء في فتاوى اللجنة الدائمة (10/281): تجوز السباحة في نهار رمضان، ولكن ينبغي للسابح أن يتحفظ من دخول الماء إلى جوفه. اهـ.
وقال ابن عثيمين رحمه الله تعالى كما في مجموع الفتاوى له:... لا بأس للصائم أن يسبح، وله أن يسبح كما يريد، وينغمس في الماء، ولكن يحرص على أن لا يتسرب الماء إلى جوفه بقدر ما يستطيع... اهـ.
وننبه إلى وجوب التحرز من كشف العورة أثناء ممارسة تلك الرياضة، أو تضييع شيء من الفروض والواجبات كالصلاة أو بر الوالدين أو غيرهما، وكذا عدم التساهل في النظر إلى عورات الآخرين، أو ممارسة تلك الرياضة مع من يكشف عورته ونحو ذلك، كما ينبغي للصائم أن يحرص على التقرب إلى الله تعالى بما يستطيع من الطاعات، وساعات الصيام أنفس من أن تضيع في سباحة أو ركوب أمواج، وقد كان السلف الصالح يجلسون في المساجد في الصيام ويقولون نحفظ صيامنا.
وقال جابر رضي الله عنهما: إذا صمت فليصم سمعك، وبصرك، ولسانك عن الكذب، والمآثم، وليكن عليك وقار وسكينة يوم صيامك، ولا تجعل يوم صيامك وفطرك سواء. رواه ابن أبي شيبة.
واعلم أيها السائل أن الإكثار من ممارسة تلك الرياضة والسفر لأجلها قد يؤدي إلى الغفلة عن الله والدار الآخرة. وقد دلت السنة على أن الإكثار من المباح قد يؤدي إلى الغفلة في مثل قوله صلى الله عليه وسلم:... من اتبع الصيد غفل. رواه أحمد.
قال الحافظ في الفتح: هُوَ مَحْمُول عَلَى مَنْ وَاظَبَ عَلَى ذَلِكَ حَتَّى يَشْغَلهُ عَنْ غَيْره مِنْ الْمَصَالِح الدِّينِيَّة وَغَيْرهَا.اهـ.
والله أعلم