الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فالفرق بين الاستمنائين واضح- بفضل الله- ذلك أن الأصل في الاستمتاع وقضاء الوطر المنع والحظر حتى تثبت الإباحة، والشرع قد قصر أمر الاستمتاع على الزوجة وملك اليمين فقال الله سبحانه: وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ. {المؤمنون: 5-6}.
فوجب الوقوف عند حدود الشرع، فمن تجاوز هذه الحدود وابتغى قضاء شهوته بالاستمناء أو غيره من الأمور المحرمة فهو من العادين.
قال الشافعي رحمه الله في الأم: فلا يحل العمل بالذكر إلا في الزوجة أو في ملك اليمين ولا يحل الاستمناء. انتهى.
فوضح حينئذ الفرق بين الاستمناءين وهو أن الله سبحانه أباح للرجل التلذذ بالمرأة والاستمتاع بها ولم يبح له أن يستمتع بنفسه.
وهذا فيه ما فيه من عظم الشريعة وشموخها، فإن استمتاع الرجل بنفسه فيه من الدناءة وسقوط المروءة وانحطاط الخلق ما يوجب للمسلم أن يتحرز عنه، وهل جاءت الشريعة إلا لتتميم مكارم الأخلاق، كما قال صلى الله عليه وسلم: إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق. صححه الألباني.
ولذا قال القرطبي رحمه الله بخصوص هذه العادة- استمناء الرجل بيده-: ولو قام الدليل على جوازها لكان ذو المروءة يعرض عنها لدناءتها. انتهى
وعلى المسلم أن يقابل أحكام الله سبحانه بالتسليم والانقياد حتى ولو لم يظهر له حكمة من ذلك، فإن هذا هو أمارة الإيمان وعلامة اليقين، أما من يرفض أحكام الله سبحانه ويردها بحجة أنه لا فرق بين هذا وذاك، فهذا ليس على سبيل المؤمنين بل هو على سبيل اليهود وأشباههم، فإن الله سبحانه حكى هذا المسلك عن اليهود الذين ردوا تشريع الله في تحريم الربا بحجة أن البيع مثل الربا، قال سبحانه: الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا. فرد الله سبحانه عليهم ذلك بقوله: وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الربا. {البقرة: 275}.
يقول ابن كثير رحمه الله: قالوا: إنما البيع مثل الربا. أي: هو نظيره، فلم حرم هذا وأبيح هذا؟ وهذا اعتراض منهم على الشرع، أي: هذا مثل هذا، وقد أحل هذا وحرم هذا، وقوله تعالى: وأحل الله البيع وحرم الربا. يحتمل أن يكون من تمام الكلام ردا عليهم، أي: قالوا: ما قالوه من الاعتراض، مع علمهم بتفريق الله بين هذا وهذا حكما، وهو الحكيم العليم الذي لا معقب لحكمه، ولا يسأل عما يفعل وهم يسألون، وهو العالم بحقائق الأمور ومصالحها، وما ينفع عباده فيبيحه لهم، وما يضرهم فينهاهم عنه، وهو أرحم بهم من الوالدة بولدها الطفل. انتهى.
والله أعلم.