الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فاعلم أولا أن اتباع النبي صلى الله عليه وسلم لا يسمى تقليدا، لأن التقليد كما عرفه الأصوليون هو: الأخذ بقول الغير بغير دليل، وقول النبي صلى الله عليه وسلم وفعله هو الدليل الذي يعتمد عليه العلماء الذين يسوغ تقليدهم، وقفو أثر النبي صلى الله عليه وسلم واتباع هديه هو الواجب على كل مسلم مصداقا لقوله تعالى: قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ. {آل عمران:31}.
والآيات والأحاديث في وجوب اتباعه صلى الله عليه وسلم كثيرة جدا، وليس من شرط صحة المتابعة أن تعلم حكم الأحكام ولا أسباب تشريعها، بل مهما علم العبد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال كذا أو أمر بكذا فسمع وأطاع فقد فعل ما وجب عليه وليس أجره ناقصا بإذن الله، وقد كان الصحابة رضي الله عنهم يقفون أثره صلى الله عليه وسلم حذو القذة بالقذة ولو لم يعلموا سر التشريع ولا حكمة الحكم، ومن ذلك قول أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه حين قبل الحجر الأسود: والله إني لأعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع ولولا أني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبلك ما قبلتك. وقال رجل لابن عمر لا نجد صلاة السفر في القرآن. فقال ابن عمر: إن الله بعث إلينا محمداً ولا نعلم شيئاً، فإنما نفعل كما رأينا محمداً يفعل.
وبه تعلم أن الواجب على المسلم إذا أتاه الأمر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أو سمع بالفعل من أفعاله الشريفة صلى الله عليه وسلم أن يبادر بالامتثال والاتباع، وليعلم أن له في ذلك الأجر الجزيل والمثوبة العظيمة، وليس معنى هذا التقليل من أهمية معرفة حكم الأحكام وأسرار التشريع وأسباب التكاليف التي لمشروعيتها سبب كالرمل في الأشواط الثلاثة الأولى في طواف القدوم، وأن الأصل في مشروعيته أمر النبي صلى الله عليه وسلم للصحابة أن يروا المشركين القوة من أنفسهم في عمرة القضاء، وكذا الأصل في مشروعية السعي وأن مبتدأه فعل هاجر أم إسماعيل عليه السلام باحثة عن الماء لوليدها الرضيع، ونحو ذلك من الأحكام، فإن معرفة ذلك لها أثر عظيم في ترسيخ الانقياد وتحصيل البصيرة في الاتباع، ثم تعلم مثل هذه الأمور داخل في طلب العلم المأجور فاعله، ولكن لا تتوقف المثوبة على معرفة هذا، وليس للعبد أن يجعل انقياده منوطا بمعرفة الحكمة فإن ذلك يقدح في تمام المتابعة.