الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فجزاك الله خيرا على حرصك على الدعوة إلى دينك والدفاع عنه، ولكن ينبغي أن تعلم أن المسلم مطالب باجتناب أسباب الفتنة، ولذا فقد نبهنا كثيرا على وجوب الحذر من التصدي لمحاورة أهل الباطل لمن لم يكن مؤهلا لذلك، فتكون النتيجة أن يكون المسلم هو الذي يبحث عن سبيل لإنقاذ نفسه بعد أن كان يحاول إنقاذ الآخرين، وقد سبق التنبيه على ذلك في الفتوى رقم: 115780. وراجع لمزيد الفائدة الفتوى رقم: 71907.
وأما مسألة الخلود الأبدي للكافرين في النار رغم أن كفرهم في الدنيا كان محدود الزمن، فحاصل الجواب عنها أن الكفار لو عمروا في الدنيا ما عمروا فإنهم سيعيشون على الكفر، بل لو ردوا إلى الحياة رجعوا إلى ما كانوا عليه، كما أخبر الله عز وجل عنهم بقوله: وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ {الأنعام: 28} ولذلك استحقوا ذلك الجزاء على وجه التأبيد، لأن الناس يبعثون يوم القيامة على نياتهم، ومما يبين أثر النية في استحقاق العقاب في الآخرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما قال: إذا تواجه المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار. فسئل: هذا القاتل فما بال المقتول؟ علل ذلك صلى الله عليه وسلم بالنية والعزيمة على الفعل فقال: إنه قد أراد قتل صاحبه. متفق عليه.
ثم ينبغي للمسلم الذي عرف الإسلام وعرف مصير هؤلاء الكفار أن يحول قلقه من مصير الكفار إلى عمل مثمر يفيده ويفيد الكفار، فينشط في دعوتهم إلى الله، وبيان محاسن الإسلام لهم، ويحدثهم عن الحياة الآخرة وأهوالها ونعيمها، وأن الإسلام هو الحل الوحيد للظفر بالسعادة في الدارين والأمن من العذاب، كما سبق التنبيه عليه في الفتوى رقم: 65864.
أما الذين يولدون بعاهات، فإن لم تعارض هذه العاهات أهليتهم لتلقي الرسالة السماوية كالمجنون الذي لا يعقل، والأصم الذي لم يسمع بالوحي، فليس هناك فرق بينهم وبين غيرهم من الأصحاء من حيث وجوب الإيمان برسالة الإسلام، فإن قامت عليهم الحجة وسمعوا بالإسلام ولم يقبلوه وماتوا على الكفر استحقوا الخلود في النار، وإن كنا نقر أن أهل النار يتفاوتون في العذاب باعتبارات كثيرة، كهذا الذي ورد في السؤال، وكذلك طول العمر وكثرة الإجرام والبداءة بالشر ونحو ذلك، فقد قال الله تعالى: هُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ اللَّهِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ {آل عمران: 163}، وقال سبحانه: وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ {الأنعام: 132}، وقال عز وجل: وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا وَلِيُوَفِّيَهُمْ أَعْمَالَهُمْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ {الأحقاف: 19} وراجع في ذلك الفتوى رقم: 15174.
وأما حال هذا النوع من الكفار في الدنيا وابتلاؤهم فيها، فإن الله تعالى لا يضيع عليهم حسناتهم في دنياهم بخلاف أخراهم، ولو آمنوا لانتفعوا بحالهم هذا في الآخرة أيضا، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: إن الله لا يظلم مؤمنا حسنة، يُعطى بها في الدنيا ويجزى بها في الآخرة، وأما الكافر فيطعم بحسنات ما عمل بها لله في الدنيا، حتى إذا أفضى إلى الآخرة لم تكن له حسنة يجزى بها. رواه مسلم.
ولمزيد الفائدة راجع الفتويين: 2795، 68299.
والله أعلم.