الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فلا شكّ أنّ الكذب محرّم وهو من أقبح الأخلاق، والتمادي فيه يؤدي إلى فساد الدين والدنيا.
أمّا عن سؤالك، فإذا كان سيلحقك ضرر من الإدارة إذا علموا أنك أنت صاحب الشكوى فلا داعي لإخبارهم، إذ ليس من شرط التوبة أن تخبر بحقيقة الأمر، وإن لم يكن عليك ضرر في ذلك فلا مانع من إخبارهم بأنك صاحب الشكوى، وأنّ هذا المدرس قد حرضّك على ذلك، فقد يكون في هذا ردع لذلك المدرس ذي الوجهين، ثم إن كفارة الكذب هي التوبة الصادقة، وذلك بالإقلاع عن الكذب والندم على فعله والعزم على عدم العود له.
وأمّا عن أمرك للناس بالصدق ووقوعك في الكذب، فلا شكّ أنّ أمر الناس بالمعروف مع ترك فعله ونهيهم عن المنكر مع فعله، خطأ عظيم، فعن أسامة بن زيد أنّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قال: يُؤْتَى بِالرَّجُلِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيُلْقَى فِى النَّارِ فَتَنْدَلِقُ أَقْتَابُ بَطْنِهِ فَيَدُورُ بِهَا كَمَا يَدُورُ الْحِمَارُ بِالرَّحَى فَيَجْتَمِعُ إِلَيْهِ أَهْلُ النَّارِ فَيَقُولُونَ يَا فُلاَنُ مَا لَكَ أَلَمْ تَكُنْ تَأْمُرُ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَى عَنِ الْمُنْكَرِ؟ فَيَقُولُ: بَلَى، قَدْ كُنْتُ آمُرُ بِالْمَعْرُوفِ وَلاَ آتِيهِ، وَأَنْهَى عَنِ الْمُنْكَرِ وَآتِيهِ. رواه مسلم.
فالواجب على المسلم أن يوافق قوله فعله.
لكن ليس معنى هذا أن يترك الإنسان الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لوقوعه في مخالفة شرعية، وإنما المطلوب أن يجتهد الإنسان في إصلاح نفسه ويداوم على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بصدق وإخلاص، يقول القرطبي في قوله تعالى: أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ. {البقرة: 44}:
اعلم وفقك الله تعالى أن التوبيخ في الآية بسبب ترك فعل البر لا بسبب الأمر بالبر. الجامع لأحكام القرآن.
فإياك أن تترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فما دمت صادقاً ومخلصاً لله في أمرك بالمعروف ونهيك عن المنكر، فلا يصدّك عن ذلك ما يكون منك من تفريط وزلل، فإنّ ذلك من مداخل الشيطان ومكائده، كما قال الحسن البصري: ودّ الشيطان أنه قد ظفر بهذا.
وقال مالك عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن سمعت سعيد بن جبير يقول:
لو كان المرء لا يأمر بالمعروف ولا ينهى عن المنكر حتى لا يكون فيه شيء، ما أمر أحد بمعروف ولا نهى عن منكر. قال مالك: وصدق، من ذا الذي ليس فيه شيء. الجامع لأحكام القرآن.
واحذر أن يخذّلك الشيطان ويوقع اليأس في قلبك ويصرفك عن الخير ويستزلّك بسبب ما وقعت فيه.
واعلم أنّ ما أنت فيه من الحزن والندم هو دليل صدق وعلامة خير، فينبغي عليك أن تُقبل على الله وتعلم أنّ الإنسان لا حول له ولا قوة إلا بالله، فلا يوفق العبد للطاعة ولا يصرف عن المعصية إلا بتوفيق الله ومعونته، واعلم أنّ الله يقبل التوبة ويحب التوابين ويفرح بتوبتهم، وأن التوبة تمحو ما قبلها، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: التَّائِبُ مِنْ الذَّنْبِ كَمَنْ لَا ذَنْبَ لَهُ. رواه ابن ماجه، وحسنه الألباني.
والله أعلم.