الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فالوسواس داءٌ عُضال، إذا تحكم من قلب العبد أوقعه في شرٍ عظيم، وجره إلى عواقب وخيمة، فالواجبُ على من ابتليَ به أن يُجاهد نفسه في التخلص منه، وأن يعلم أن طريق ذلك هو الإعراضُ عنه وعدم الالتفات إليه، وانظر الفتوى رقم: 120774.
وليس سبيل ذلك أن يُكثر من الأيمان التي قد يحنثُ فيها، فيوقع نفسه في حرج أكبر، ولكنه إذا كان يعلم ضرر الوسوسة، وأنها من حبائل الشيطان، وأن الاسترسال معها مخالفة للشرع المطهر، فلماذا يسترسل معها؟ إنه إذا كان يُريد مرضاة ربه عز وجل الذي أمره بتلك العبادة، فليعلم أن الاستجابة للوسوسة لا تُحقق له مقصوده، بل إنها تُنافيه، ومن ثمّ فإعراضه عنها هو الذي تحصل به مرضاة ربه جل وعلا.
وأما بخصوص تلك الأيمان المسؤول عنها، فإذا كانت صدرت عن غير قصد منك، بل غُلبت عليها فلا يلزمك فيها شيء، كما بينا ذلك في الفتوى رقم: 114413.
وكذا إذا كان حنثك تحت تأثير الوسوسة بحيثُ لا يمكنك دفعها، فإنه لا تلزمك كفارةٌ لأنك في معنى المكره والمغلوب على عقله، والراجحُ أن الكفارة لا تلزم من حنث مكرها، جاء في الروض وحاشيته: فإذا حنث مكرها، أو ناسيا فلا كفارة. لما تقدم من قوله صلى الله عليه وسلم: عفي عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه. انتهى. أما إذا لم يكن شيء من ذلك ، فالواجبُ عليك أن تتحرى عددها، ثم تُكفر عنها جميعها حتى يغلب على ظنك أنك أبرأت ذمتك، إن لم تستطع الوصول إلى اليقين في ذلك.
ويرى بعض العلماء أن الأيمان إذا تعددت تداخلت، فلا تلزم فيها إلا كفارة واحدة، سواء كان المحلوف عليه واحداً أو متعدداً، والراجح أنه إذا تعدد المحلوف عليه، وجبت كفارة عن كل يمين وانظر الفتوى رقم: 22807.
والله أعلم.