الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فإننا لنتعجب أشد العجب من جرأة السائل وتهجمه على السنة النبوية الصحيحة الثابتة عن النبي محمد صلى الله عليه وسلم بقوله: أما آن الأوان لكي نحكم العقل فيما ورد من السنة النبوية والتي غالبا ما يرد فيها أشياء تنسب إلى النبي الأكرم بغض النظر عن سند الحديث يجب التفكير في متنه!...إلخ.
فقولك آن الأوان لكي نحكم العقل بغض النظر عن سند الحديث خطأ كبير فمن أنت حتى تحكم عقلك في النصوص الصحيحة الثابتة!
وكان الواجب عليك الرجوع إلى العلماء الثقات ليزيلوا عنك الشبهات ويردوك إلى جادة الصواب، ولذلك نجد أنفسنا مضطرين إلى بيان جملة من الأصول والقواعد التي ينبغي مراعاتها في التعامل مع مثل هذه الأحاديث التي أشار إليها السائل، ثم بيان التفسير الصحيح الذي اتبعه سلف الأمة لأحاديث الصفات:
الأصل الأول في الصفات وهو: أن يوصف الله بما وصف به نفسه وبما وصفه به رسوله إثباتاً بلا تمثيل، وتنزيهاً بلا تعطيل كما جمع الله تعالى بينهما في قوله: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ. {الشورى:11}.
فقوله: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ نفي متضمن لكمال صفاته مبطل لمنهج أهل التمثيل، وقوله: وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ. إثبات لأسمائه وصفاته وإبطال لمنهج أهل التحريف والتعطيل، فنثبت ما أثبته الله لنفسه وننفي ما نفى الله عن نفسه من غير تحريف ولا تعطيل، ومن غير تكييف ولا تمثيل، وهذا هو المنهج السليم الواجب المبني على العلم والحكمة والسداد في القول والاعتقاد، وله دليلان أثري ونظري، وإن شئت فقل سمعي وعقلي.
أما الأثري السمعي فمنه قوله تعالى: وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ. {الأعراف:180}. وقوله: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ. {الشورى:11}. وقوله: فَلا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الْأَمْثَالَ إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ. {النحل:74}.
وأما النظري العقلي فلأن القول في أسماء الله وصفاته من باب الخبر المحض الذي لا يمكن للعقل إدراك تفاصيله، فوجب الوقوف فيه على ما جاء به السمع.
واعلم أن الاشتراك في الأسماء والصفات لا يستلزم تماثل المسميات والموصوفات، كما دل على ذلك السمع، والعقل، والحس.
ومن قال بتحكيم العقل في هذا الباب يرد عليه من وجوه:
الأول: أن الرجوع إلى العقل في هذا الباب مخالف لما كان عليه سلف الأمة من الصحابة، والتابعين، وأئمة الأمة من بعدهم، فما منهم أحد رجع إلى العقل في ذلك وإنما يرجعون إلى الكتاب والسنة، فيثبتون لله تعالى من الأسماء والصفات ما أثبته لنفسه، أو أثبته له رسله إثباتاً بلا تمثيل، وتنزيهاً بلا تعطيل.
قال إمام أهل السنة أحمد بن حنبل: نصف الله بما وصف به نفسه، ولا نتعدى القرآن والحديث.
الثاني: أن الرجوع إلى العقل في هذا الباب مخالف للعقل؛ لأن هذا الباب من الأمور الغيبية التي ليس للعقل فيها مجال، وإنما تتلقى من السمع، فإن العقل لا يمكنه أن يدرك بالتفصيل ما يجب ويجوز ويمتنع في حق الله تعالى؛ فيكون تحكيم العقل في ذلك مخالفاً للعقل.
الثالث: أن الرجوع في ذلك إلى العقل مستلزم للاختلاف والتناقض، فإن لكل واحد منهم عقلاً يرى وجوب الرجوع إليه كما هو الواقع في هؤلاء، فتجد أحدهم يثبت ما ينفيه الآخر، وربما يتناقض الواحد منهم فيثبت في مكان ما ينفيه أو ينفي نظيره في مكان آخر، فليس لهم قانون مستقيم يرجعون إليه.
قال ابن تيمية رحمه الله في الفتوى الحموية:
فيا ليت شعري بأي عقل يوزن الكتاب والسنة، فرضي الله عن الإمام مالك بن أنس حيث قال: أوكلما جاءنا رجل أجدل من رجل تركنا ما جاء به جبريل إلى محمد صلى الله عليه وسلم لجدل هؤلاء.
ومن المعلوم أن تناقض الأقوال دليل على فسادها.
الرابع: أنهم إذا صرفوا النصوص عن ظاهرها إلى معنى زعموا أن العقل يوجبه، فإنه يلزمهم في هذا المعنى نظير ما يلزمهم في المعنى الذي نفوه مع ارتكابهم تحريف الكتاب والسنة.
مثال ذلك: إذا قالوا المراد بيد الله عز وجل: القوة دون حقيقة اليد؛ لأن إثبات حقيقة اليد يستلزم التشبيه بالمخلوق الذي له يد. فنقول لهم: يلزمكم في إثبات القوة نظير ما يلزمكم في إثبات اليد الحقيقية؛ لأن للمخلوقات قوة، فإثبات القوة لله تعالى يستلزم التشبيه على قاعدتكم.
والقول الفصل المطرد السالم من التناقض ما كان عليه سلف الأمة وأئمتها من إثبات ما أثبته الله تعالى لنفسه من الأسماء والصفات، إثباتاً بلا تمثيل، وتنزيهاً بلا تعطيل، وإجراء النصوص على ظاهرها على الوجه اللائق بالله عز وجل، من غير تحريف، ولا تعطيل، ولا تكييف، ولا تمثيل.
ويتبين هذا بأصلين:
أحدهما: أن يقال لمن يثبت بعض الصفات دون بعض: القول في بعض الصفات كالقول في بعض. أي أن من أثبت شيئاً مما أثبته الله لنفسه من الصفات ألزم بإثبات الباقي، ومن نفى شيئاً منه ألزم بنفي ما أثبته وإلا كان متناقضاً.
الأصل الثاني: أن يقال لمن يقر بذات الله تعالى ويمثل في صفاته أو ينفيها:القول في الصفات كالقول في الذات.
يعني أن من أثبت لله تعالى ذاتاً لا تماثل ذوات المخلوقين لزمه أن يثبت له صفات لا تماثل صفات المخلوقين، لأن القول في الصفات كالقول في الذات، وهذا الأصل يخاطب به أهل التمثيل، وأهل التعطيل من المعتزلة ونحوهم.
فيقال لأهل التمثيل: ألستم لا تمثلون ذات الله بذوات المخلوقين؟! فلماذا تمثلون صفاته بصفات خلقه؟
أليس الكلام في الصفات فرعاً عن الكلام في الذات؟!
ويقال لأهل التعطيل من المعتزلة ونحوهم: ألستم تقولون بوجود ذات لا تشبه الذوات؟ فكذلك قولوا بصفات لا تشبه الصفات!!
مثال ذلك: إذا قال: إن الله استوى على العرش فكيف استواؤه؟
فيقال له: القول في الصفات كالقول في الذات فأخبرنا كيف ذاته؟
فإن قال: لا أعلم كيفية ذاته.
قيل له: ونحن لا نعلم كيفية استوائه.
وحينئذ يلزمه أن يقر باستواء حقيقي غير مماثل لاستواء المخلوقين، ولا معلوم الكيفية، كما أقر بذات حقيقية غير مماثلة لذوات المخلوقين، ولا معلومة الكيفية، كما قال مالك وشيخه ربيعة وغيرهما في الاستواء: الاستواء معلوم والكيف مجهول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة.
والرد على من يقول في نصوص الصفات: لا يجوز إجراؤها على ظاهرها لأن ظاهرها غير مراد.
فجوابه أن يقال: ماذا تريد بالظاهر؟ أتريد ما يظهر من النصوص من المعاني اللائقة بالله من غير تمثيل، فهذا الظاهر مراد لله ورسوله قطعاً، وواجب على العباد قبوله، والإيمان به شرعاً؛ لأنه حق ولا يمكن أن يخاطب الله عباده بما يريد منهم خلاف ظاهره بدون بيان كيف، وقد قال: يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُم. {النساء: 26} وقال: يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا. {النساء: 176}. ويقول عن رسوله صلى الله عليه وسلم: وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ. {النحل: 44}. ويقول: وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ. {الشورى: 52}. ومن خاطب غيره بما يريد منه خلاف ظاهره بدون بيان فإنه لم يبين له ولم يهده.
أم تريد بالظاهر ما فهمته من التمثيل؟ فهذا غير مراد لكنه ليس ظاهر نصوص الكتاب والسنة؛ لأن هذا الظاهر الذي فهمته كفر وباطل بالنص والإجماع، ولا يمكن أن يكون ظاهر كلام الله ورسوله كفراً وباطلاً، ولا يرتضي ذلك أحد من المسلمين.
وقد اتفق سلف الأمة وأئمتها على أن نصوص الصفات تجرى على ظاهرها اللائق بالله عز وجل من غير تحريف، وأن ظاهرها لا يقتضي تمثيل الخالق بالمخلوق، فاتفقوا على أن لله تعالى حياة، وعلماً، وقدرة، وسمعاً، وبصراً، حقيقة، وأنه مستوٍ على عرشه حقيقة، وأنه يحب ويرضى، ويكره ويغضب حقيقة، وأن له وجهاً ويدين حقيقة؛ لقوله تعالى: وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لا يَمُوتُ. {الفرقان: 58}. وقوله: وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ. {البقرة: 29}. وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ. {المائدة: 120}. وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ. {الشورى: 11}. وقوله: الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى. {طه: 5}. وقوله: فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ. {المائدة: 54}. رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْه. {المائدة: 119}. وَلَكِنْ كَرِهَ اللَّهُ انْبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ. {التوبة: 46}. وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ. {النساء: 93} وقوله: وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالْأِكْرَامِ. {الرحمن: 27}. بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَان. {المائدة: 64}.
فأجروا هذه النصوص وغيرها من نصوص الصفات على ظاهرها وقالوا: إنه مراد على الوجه اللائق بالله تعالى فلا تحريف ولا تمثيل.
وأما القول بأن صفة اليدين في قوله تعالى: بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشَاء. {المائدة: 64} يستلزم إثبات جارحة.
فنقول فيه: إن ثبوت اليدين الحقيقيتين لله عز وجل لا يستلزم معنى فاسداً، فإن لله تعالى يدين حقيقيتين تليقان بجلاله وعظمته، وبهما يأخذ ويقبض، ولا تماثلان أيدي المخلوقين، وهذا من كماله وكمال صفاته، قال الله تعالى: وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ. {الزمر: 67} وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ما تصدق أحد بصدقة من طيب ولا يقبل الله إلا الطيب إلا أخذها الرحمن بيمينه، وإن كانت تمرة فتربو في كف الرحمن حتى تكون أعظم من الجبل. فأي معنى فاسد يلزم من ظاهر النص حتى يقال إنه غير مراد؟!
ولابد من تقرير أمر مهم وهو: الكيف غير معلوم: وأما كون ما أخبرنا الله به عن نفسه مجهولاً لنا من جهة الكيفية فثابت بدلالة السمع والعقل.
فأما دلالة السمع: فكما في قوله تعالى: يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً .[طه:110]. فإن نفي الإحاطة علماً شامل للإحاطة بذاته وصفاته، فلا يعلم حقيقة ذاته وكنهها إلا هو سبحانه وتعالى، وكذلك صفاته.
وأما دلالة العقل على ذلك: فلأن الشيء لا تدرك كيفيته إلا بمشاهدته، أو بمشاهدة نظيره المساوي له، أو الخبر الصادق عنه، وكل هذه الطرق منتفية في كيفية ذات الله تعالى وصفاته، فتكون كيفية ذات الله وصفاته مجهولة لنا.
وأيضاً فإننا نقول: ما هي الكيفية التي تقدرها لذات الله تعالى وصفاته؟! إن أي كيفية تقدرها في ذهنك، أو تنطق بها بلسانك فالله أعظم وأجل من ذلك، وإن أي كيفية تقدرها في ذهنك، أو تنطق بها بلسانك فستكون كاذباً فيها؛ لأنه ليس لك دليل عليها.
ورجوعا إلى حديث عبد الله بن مسعود وقول الحبر: إن الله يضع السماء على إصبع...إلخ
فنقول:
هذا الضحك من النبي صلى الله عليه وسلم تقرير لقول الحبر، ولهذا قال ابن مسعود: تصديقا لقول الحبر، ولو كان منكرا ما ضحك الرسول صلى الله عليه وسلم ولا استشهد بالآية، ولقال له: كذبت كما كذب الذين ادعوا أن الذي يزني لا يرجم، ولكنه ضحك تصديقا لقول الحبر وسرورا بأن ما ذكره موافق لما جاء به القرآن الذي أوحي إلى محمد صلى الله عليه وسلم.
قوله: ثم قرأ: وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ. الآية: وهذا معنى الآية الذي لا تحتمل غيره، وأن السماوات مطويات كطي السجل للكتب بيمينه، أي: تبارك وتعالى، لأن ذلك تفسيره صلى الله عليه وسلم، وتفسيره في الدرجة الثانية من حيث الترتيب، لكنه كالقرآن في الدرجة الأولى من حيث القبول والحجة.
وأما تفسير أهل التحريف، فيقول بعضهم: (قبضته)، أي: في قبضته وملكه وتصرفه، وهو خطأ، لأن الملك والتصرف كائن يوم القيامة وقبله.
قول بعضهم: (السماوات مطويات)، أي: تالفة وهالكة، كما تقول انطوى ذكر فلان، أي: زال ذكره.
و(بيمينه)، أي: بقسمه، لأن الله تعالى قال: كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ * وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ. { الرحمن: 26-27}. فجعلوا المراد باليمين القسم... إلى غير ذلك من التحريفات التي يلجأ إليها أهل التحريف، وهذا لظنهم الفاسد بالله، حيث زعموا أن إثبات مثل هذه الصفات يستلزم التمثيل، فصاروا ينكرون ما أثبته الله لنفسه، وما أثبته رسوله وسلف الأمة بشبهات يدعونها حججا.
فيقال لهم: هل أنتم أعلم بالله من الله؟
إن قالوا: نعم، كفروا، وإن قالوا لا، خُصموا، وقلنا لهم: إن الله بين ذلك أبلغ بيان بأن الأرض جميعا قبضته يوم القيامة، والرسول صلى الله عليه وسلم أقر الحبر على ما ذكر فيما يطابق الآية، وهل أنتم أنصح من الرسول صلى الله عليه وسلم لعباد الله؟ فسيقولون: لا.
قال ابن خزيمة في باب إثبات الأصابع لله عز وجل بعد ذكر أحاديث الأصابع:
والصواب والعدل في هذا الجنس مذهباً، مذهب أهل الآثار ومتبعي السنن، واتفقوا على جهل من يسميهم مشبهة، إذ الجهمية المعطلة جاهلون بالتشبيه... كيف يكون مشبهاً من يثبت لله أصابع على ما بيّنه النبي المصطفى صلى الله عليه وسلم للخالق البارئ.
ونذكر السائل بما آل إليه حال من سلك مسلك أهل الكلام في الصفات فقد قال بعض العلماء: أكثر الناس شكّاً عند الموت أهل الكلام.
وقد رجع بعضهم قبل موته إلى مذهب السلف، ومنهم الرازي حيث قال:
رأيت أقرب الطرق طريقة القرآن: أقرأُ في الإثبات: الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى. {طه: 5} يعني: فأثبت، وأقرأ في النفي: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ. {الشورى: 11}، وَلَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا. {طه: 110}. ومن جرب مثل تجربتي عرف مثل معرفتي.
لأنه أقر قبل هذا الكلام، فقال: لقد تأملت الطرق الكلامية ووجدت أقرب الطرق طريقة القرآن.
قال الشيخ ابن عثيمين:
والحاصل أن هؤلاء المنكرين لما جاء في الكتاب والسنة من صفات الله عز وجل اعتماداً على هذا الظن الفاسد أنها تقتضي التمثيل قد ضلوا ضلالاً مبيناً، فالصحابة رضي الله عنهم هل ناقشوا الرسول صلى الله عليه وسلم في هذا ؟ والذي نكاد نشهد به أنه حين يمر عليهم مثل هذا الحديث يقبلونه على حقيقته لكن يعلمون أن الله لا مثل له، فيجمعون بين الإثبات وبين النفي.
إذاً موقفنا من هذا الحديث الذي فيه إثبات الأصابع لله عز وجل أن نقر به ونقبله، ولا نقتصر على مجرد إمراره بدون معنى فنكون بمنزلة الأميين الذين لا يعلمون الكتاب إلا أماني، بل نقرؤه ونقول: المراد به إصبع حقيقي يجعل الله عليه هذه الأشياء الكبيرة، ولكن لا يجوز أبداً أن نتخيل بأفهامنا أو أن نقول بألسنتنا: إنه مثل أصابعنا، بل نقول: الله أعلم بكيفية صفاته، بل نكل علمها إلى الله سبحانه وتعالى إلخ كلامه رحمه، وللمزيد يمكنك أيها السائل مراجعة: ودرء تعارض العقل والنقل لشيخ الإسلام ابن تيمية، وتقريب التدمرية للشيخ ابن عثيمين، والقول المفيد على كتاب التوحيد للشيخ ابن عثيمين ، وقد اعتمدنا في جوابنا على ما ذكره الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في موقعه وبعض كتبه وهو رحمه الله كان له باع طويل في الرد على المخالفين وتقرير مذهب السلف أجزل الله له المثوبة ورحمه رحمة واسعة.
والله أعلم.