الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فإن الاجتهاد عرضة للخطأ كما هو معلوم، ومن جهة أخرى فإن القاضي يحكم على نحو ما يسمع ولا يعلم الغيب، ولذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنكم تختصمون إلي ولعل بعضكم ألحن بحجته من بعض، فمن قضيت له بحق أخيه شيئاً بقوله فإنما أقطع له قطعة من النار فلا يأخذها. رواه البخاري ومسلم.
فإذا كان القاضي أهلاً للقضاء مستجمعاً لآلته، واجتهد في إصابة الحق فهو مأجور على أية حال ولو أخطأ، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا حكم الحاكم فاجتهد ثم أصاب فله أجران، وإذا حكم فاجتهد ثم أخطأ فله أجر. رواه البخاري ومسلم.
وبوب عليه البخاري: باب أجر الحاكم إذا اجتهد فأصاب أو أخطأ، قال ابن حجر: يشير إلى أنه لا يلزم من رد حكمه أو فتواه إذا اجتهد فأخطأ أن يأثم بذلك، بل إذا بذل وسعه أجر، فإن أصاب ضوعف أجره، لكن لو أقدم فحكم أو أفتى بغير علم لحقه الإثم... قوله (ثم أخطأ) أي ظن أن الحق في جهة، فصادف أن الذي في نفس الأمر بخلاف ذلك، فالأول له أجران: أجر الاجتهاد وأجر الإصابة، والآخر له أجر الاجتهاد فقط، وقد تقدمت الإشارة إلى وقوع الخطأ في الاجتهاد في حديث أم سلمة: إنكم تختصمون إلي ولعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض. انتهى.
وقال النووي: قال العلماء: أجمع المسلمون على أن هذا الحديث في حاكم عالم أهل للحكم، فإن أصاب فله أجران، أجر باجتهاده، وأجر بإصابته، وإن أخطأ فله أجر باجتهاده... فأما من ليس بأهل للحكم فلا يحل له الحكم، فإن حكم فلا أجر له بل هو آثم، ولا ينفذ حكمه، سواء وافق الحق أم لا، لأن إصابته اتفاقية ليست صادرة عن أصل شرعي فهو عاص في جميع أحكامه، سواء وافق الصواب أم لا، وهي مردودة كلها، ولا يعذر في شيء من ذلك. انتهى.
ومما يدل على أجر المجتهد المخطئ في اجتهاده قوله سبحانه وتعالى: فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلًّا آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا {الأنبياء:79}، قال الحسن البصري: لولا هذه الآية لرأيت الحكام قد هلكوا ولكن الله حمد هذا بصوابه، وأثنى على هذا باجتهاده. انتهى من تفسير البغوي.
والله أعلم.