الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فهذا الذي ذكره هذا القائل هو المعتمد في مذهب الحنابلة، غير أنهم يقيدون انفرادها به، بأن تكون خلت به لطهارة واجبة، وفي المذهب رواية أخرى موافقة لمذهب الجمهور، في أن التطهر بما خلت به المرأة لطهارتها جائز، ودليلُ المعتمد في المذهب، آثارٌ عن بعض الصحابة كعبد الله بن سرجس رضي الله عنه، وفهمهم لحديث النهي عن الوضوء بفضل طهور المرأة، قال في الروض المربع: ولا يرفع حدث رجل وخنثى ( طهور يسير ) دون القلتين خلت به كخلوة نكاح امرأة مكلفة ولو كافرة .( لطهارة كاملة عن حدث) لنهي النبي صلى الله عليه وسلم أن يتوضأ الرجل بفضل طهور المرأة رواه أبو داود وغيره وحسنه الترمذي وصححه ابن حبان ، قال أحمد في رواية أبي طالب ، أكثر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يقولون ذلك وهو تعبدي ، وعلم مما تقدم أنه يزيل النجس مطلقا. انتهى.
وفي معنى خُلوتها به قولان ، قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: وقوله: خَلَتْ به تفسير الخَلوة على المذهب: أن تخلوَ به عن مشاهدة مميِّز، فإن شاهدها مميِّزٌ زالت الخلوةُ ورَفعَ حَدَثَ الرَّجُلِ. وقيل: تخلو به؛ أي: تنفرد به بمعنى تتوضَّأ به، ولم يتوضَّأ به أحدٌ غيرها. وهذا أقرب إلى الحديث؛ لأنَّ ظاهره العموم، ولم يشترط النبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ أن تخلوَ به. انتهى كلامه.
والمشهورُ المعتمد في المذهب المعنى الأول، قال ابن قاسم معلقاً على قوله: ( لطهارة كاملة عن حدث ) : أي مجتمعاً بشروطها وفروضها عن حدثٍ أصغر أو أكبر، لا خبث وشرب وطهر مستحب ، فلو اختل شيء من ذلك فطهور ، لا تؤثر خلوتها به. انتهى.
وقال أيضاً مبيناً دليل المذهب ومن ذهب إليه من الصحابة، ومفصلا القول في المسألة ومرجحاً عدم المنع من التطهر بما خلت به المرأة، وهو الراجح: منهم عبد الله بن عمر وعبد الله بن سرجس ، وعنه طهور اختاره أبو البقاء وابن عقيل والشيخ تقي الدين ، قال في الشرح : وهو أقيس ....ثم ذكر حديث ميمونة ووضوء النبي صلى الله عليه وسلم بفضل غُسلها من الجنابة .أخرجه مسلم ... ثم قال : وقال البغوي: لا كراهة في وضوء الرجل بفضل المرأة للأحاديث الصحيحة فيه .انتهى
وحمل النهي على التنزيه أولى، وقال الوزير: أجمعوا على جواز وضوء الرجل بفضل وضوء المرأة ، وإن خلت بالماء إلا في إحدى الروايتين عن أحمد ، وحكى النووي وغيره الإجماع على جواز ذلك. انتهى.
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: والصَّحيح: أنَّ النَّهي في الحديث ليس على سبيل التَّحريم، بل على سبيل الأَوْلَويَّة وكراهة التنزيه؛ بدليل حديث ابن عبَّاس رضي الله عنهما: اغتسل بعضُ أزواج النبيّ صلّى الله عليه وسلّم في جَفْنَة، فجاء النبيُّ صلّى الله عليه وسلّم ليغتسل منها، فقالت: إني كنت جُنباً، فقال: «إن الماء لا يُجنب»، وهذا حديث صحيح.
وهناك تعليل؛ وهو أن الماء لا يُجنب يعني أنها إِذا اغتسلت منه من الجنابة فإِن الماء باقٍ على طَهُوريته.
فالصَّواب: أن الرَّجل لو تطهَّر بما خلت به المرأةُ؛ فإِن طهارته صحيحة ويرتفع حدثه، وهذا اختيار شيخ الإِسلام ابن تيمية رحمه الله. انتهى. ولمزيد الفائدة انظر الفتويين رقم: 64049، 35154.
والله أعلم.