الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فقد بينا حكم الأخذ بالأسباب للاستيقاظ للصلاة وأنه واجبٌ في الفتوى رقم: 119406، وبينا أن من أخذ بالأسباب وغلبه النوم فهو معذور في الفتوى رقم: 10624.
ووقت صلاة الفجرِ يمتدُ إلى طلوع الشمس باتفاق المسلمين، فمن فعلها قبل أن تطلع الشمس، فقد فعل الواجب عليه، وكانت صلاته أداءً، ومن أخرها حتى تطلع الشمس عمداً فهو مرتكبٌ كبيرة من أكبر الكبائر، وأما من نسيها أو نام عنها فوقتها حين يذكرها أو يستيقظ.
فالواجبُ عليكِ أن تجتهدي في الاستيقاظ لصلاة الفجر، ولا شك في أن دوام نومكِ عنها، وصلاتها بعد أن تطلع الشمس قد يُشعرُ بتهاونكِ بأمرها، وتثاقلكِ عنها، وقد توعد الله من يتثاقلون عن الصلاة بأشد الوعيد في قوله: فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّينَ* الَّذِينَ هُمْ عَن صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ{الماعون:4 ،5} وقال تعالى: فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا {مريم: 59} وقال ابن مسعود رضي الله عنه: كنتُ أُرانا ولا يتخلف عنها يعني صلاة الصبح إلا منافق معلوم النفاق. وثبت في الصحيح: أثقل الصلاة على المنافقين صلاة العشاء وصلاة الفجر.
فحذارِ حذار أيتها الأخت الفاضلة، من أن تقعي تحت طائلة هذا الوعيد، وما دمتِ تسمعين المُنبه فأي شيءٍ يمنعكِ من الاستيقاظ ؟ لا شك في أنه الكسل الشديد، والتراخي في امتثال الأمر، وكثيرٌ من الناس إذا كان الأمرُ من أمور الدنيا بادروا بالقيام له، ونشطوا فيه وجدوا أي وقت كان، فإذا جاء أمر الآخرة تراخوا وتثاقلوا، وكأن الأمرَ لا يعنيهم، والواجبُ على المسلم أن يقدم أمر الآخرة ويؤثرها على الحياة الدنيا، قال تعالى: بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى {الأعلى:16،17}.
وقد يكون تقصيركِ في القيام لصلاة الفجر بسبب كثرة الذنوب، فلقد قال بعض السلف: إن من علامة السيئة السيئة بعدها، وكما أن الحسنات ولود تلدُ الحسنات، فكذا السيئات ولود تلد السيئات، قال تعالى: فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ {الصف:5}.
فبادري بالتوبة النصوح، واضرعي إلى ربك أن يُقيل عثرتك، ويغفر زلتك.
وأما صلاتك بعد شروق الشمس فهي قضاء، وإذا فعلتها قضاءً، فقد أجزأت عنكِ مع وجوب التوبة من التفريط إن كنتِ مفرطة، ولا يجبُ عليكِ قضاؤها مرة أخرى.
والله أعلم.