الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فما فعلته زوجتك من رفضها للسفر معك وهروبها إلى رجل أجنبي كبيرة من كبائر الذنوب التي توجب سخط علام الغيوب، وتوجب كذلك سقوط حقها في النفقة ونحو ذلك، لأنها ناشز قال العلامة السرخسي الحنفي في المبسوط: وإذا تغيبت المرأة عن زوجها أو أبت أن تتحول معه إلى منزله أو إلى حديث يريد من البلدان وقد أوفاها مهرها، فلا نفقة لها لأنها ناشزة. انتهى.
ويقول ابن قدامة الحنبلي رحمه الله في المقنع: وإذا امتنعت من السفر معه أو من المبيت عنده أو سافرت بغير إذنه سقط حقها من القسم. انتهى.. ولكن مع ذلك فإن حقها في المهر مقدمه ومؤخره ثابت لها طالما أنك دخلت بها، ولا يجوز لك أن تسترد أي نفقة أنفقتها عليها حال الطاعة والوفاق، ولكن يجوز لك والحال هذه أن تضيق عليها بأن تمتنع من طلاقها حتى تفتدي منك بما دفعت لها من مهر أو أكثر أو أقل حسب ما تتفقان عليه.. ويستحب ألا تأخذ منها زيادة عما دفعت لها من مهر، قال تعالى: ... وَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُواْ بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ إِلاَّ أَن يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ {النساء:19}.
فقد ذهب جمع من السلف وأهل العلم المحققين إلى أن الفاحشة المذكورة في الآية لا تقتصر على الزنا، بل تعم غيره، جاء في تفسير القرطبي: وقال ابن مسعود وابن عباس والضحاك وقتادة: الفاحشة المبينة في هذه الآية البغض والنشوز، قالوا: فإذا نشزت حل له أن يأخذ مالها، وهذا هو مذهب مالك. انتهى.. وقال الطبري رحمه الله: فمعنى الآية: ولا يحل لكم أيها الذين آمنوا أن تعضلوا نساءكم فتضيقوا عليهن وتمنعوهن رزقهن وكسوتهن بالمعروف لتذهبوا ببعض ما آتيتموهن من صدقاتكم (المهر) إلا أن يأتين بفاحشة من زنا أو بذاء عليكم وخلاف لكم فيما يجب عليهن لكم.. فيحل لكم حينئذ عضلهن والتضييق عليهن لتذهبوا ببعض ما آتيتموهن من صداق إن هن افتدين منكم به. انتهى بتصرف.. وراجع في ذلك الفتوى رقم: 76251.
والله أعلم.