الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فلا شك أن للجنة رائحة طيبة وأنها توجد من مسافات بعيدة؛ كما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله:.. وإن ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا. رواه مسلم .
ولكننا لم نقف على ما يثبت أن الأحياء من أهل الدنيا يشمون رائحتها؛ إلا ما جاء عن أنس بن النضر رضي الله عنه يوم أحد قبل استشهاده، فقد قال لسعد بن معاذ رضي الله عنه: يا سعد بن معاذ: الجنة ورب النضر إني أجد ريحها من دون أحد .. الحديث متفق عليه.
وقد اختلف أهل العلم في معنى قوله : إني أجد ريحها.
قال الحافظ في الفتح .. ريح الجنة دون أحد، يحتمل أن يكون ذلك على الحقيقة بأن يكون شم رائحة طيبة زائدة عما يعهد فعرف أنها ريح الجنة، ويحتمل أن يكون أطلق ذلك باعتبار ما عنده من اليقين، حتى كأن الغائب عنه صار محسوسا عنده، والمعنى أن الموضع الذي أقاتل فيه يؤول بصاحبه إلى الجنة.. قال بن بطال وغيره: يحتمل أن يكون على الحقيقة وأنه وجد ريح الجنة حقيقة، أو وجد ريحا طيبة ذكَّره طيبها بطيب ريح الجنة، ويجوز أن يكون أراد أنه استحضر الجنة التي أعدت للشهيد فتصور أنها في ذلك الموضع الذي يقاتل فيه، فيكون المعنى إني لأعلم أن الجنة تكتسب في هذا الموضع فأشتاق لها.
ولا شك أن أنسا يختلف عن غيره لصحبته وجهاده وقوة إيمانه.. وأن الموقف الذي قال فيه تلك الجملة من مواقف الإيمان التي تختلف عن غيرها.
ولذلك فيمكن أن يكون ما شمه السائل رائحة طيبة لم يألفها ذكرته برائحة الجنة أو شبهها بها.
وعلى كل حال فنحن لم نقف على دليل يثبت أو ينفي إمكانية شم رائحة الجنة في الدنيا وحصول ذلك لبعض عباد الله الصالحين كرامة لهم، ولكن أهل العلم نصوا على أن من قال إنه يدخلها يقظة يكفر بذلك ويستتاب، فإن تاب وإلا قتل كفرا ؛ فقد جاء في شرح الخرشي للمختصر عند قوله: أو يعانق الحور قال: وَكَذَلِكَ مَنْ ادَّعَى أَنَّهُ يَصْعَدُ إلَى السَّمَاءِ، أَوْ يُعَانِقُ الْحُورَ وَكَذَلِكَ مَنْ يَقُولُ : إنَّهُ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ، وَيَأْكُلُ مِنْ ثِمَارِهَا.
والحاصل أننا لم نقف على على دليل شرعي يثبت أو ينفي إمكانية شم رائحة الجنة في الدنيا كما قدمنا.
والله أعلم .