الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فحلق بعض الرأس وترك بعضه هو ما يسمى بالقزع، وقد ورد النهي عنه فعن ابن عمر: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن القزع، قال: قلت لنافع: وما القزع، قال: يحلق بعض رأس الصبي ويترك بعض. رواه البخاري ومسلم واللفظ له. قال النووي رحمه الله في شرح صحيح مسلم: قوله: وأجمع العلماء على كراهة القزع إذا كان في مواضع متفرقة إلا أن يكون لمداواة ونحوها، وهي كراهة تنزيه.. قال العلماء: والحكمة في كراهته أنه تشويه للخلق، وقيل: زي أهل الشرك والشطارة، وقيل: لأنه زي اليهود، وقد جاء هذا في رواية لأبي داود. والله أعلم. انتهى.
وقال المرداوي في الإنصاف: قوله ويكره القزع بلا نزاع وهو أخذ بعض الرأس وترك بعضه على الصحيح من المذهب وقاله الإمام أحمد وعليه جمهور الأصحاب. فالقزع مكروه وليس بمحرم إلا إذا فعله المسلم تشبهاً بغير المسلمين فيحرم النهي عن التشبه بهم، ففي الحديث عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من تشبه بقوم فهو منهم. رواه أبو داود، وقال ابن تيمية في الفتاوى: وهو حديث جيد. وحسنه ابن حجر في الفتح وصححه الألباني.
قال القاري: أي من شبه نفسه بالكفار مثلاً من اللباس وغيره، أو بالفساق أو الفجار أو بأهل التصوف والصلحاء الأبرار (فهو منهم) أي في الإثم والخير.. وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في الصراط المستقيم: وقد احتج الإمام أحمد وغيره بهذا الحديث. وهذا الحديث أقل أحواله أن يقتضي تحريم التتشبه بهم كما في قوله:وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ. انتهى. انظر عون المعبود.
وعلى هذا فلا يحرم عليك أن تفعل مثل هذا القزع للنصارى ولكن يكره ذلك، وكسبك من ذلك ليس بمحرم، كما سبق بيان ذلك في الفتوى رقم: 1132.. ويجب على الحلاق الوقوف عند حدود الله وعدم فعل شيء في عمله مما حرمه الإسلام كحلق اللحية، وراجع أيضاً في ذلك الفتوى رقم: 27954 فقد بينا فيها ما لا يجوز للحلاق فعله بأدلته.
وأما إن طلب من المسلم فعل شيء محرم فإنه لا يجوز أن يفعله، ولا ينبغي أن يخشى على رزقه فسيأتيه رزقه المقدر له، فما عند الله ينال بطاعته لا بمعصيته، وتذكر قول الله تعالى: وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا* وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا {الطلاق:2-3}، وقال صلى الله عليه وسلم: إنك لن تدع شيئاً اتقاء الله عز وجل إلا أعطاك الله خيراً. رواه الإمام أحمد وقال الهيثمي في مجمع الزوائد: بأسانيد ورجالها رجال الصحيح. انتهى.
والله أعلم.